للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه حدة، فقال له ابن عُبَادة: دع عنك مُشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المُشاتمة. ثُمَّ رجعوا إلى النَّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلموا عليه وقالوا: عضل والقارة. أي: كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع خُبيب وأصحابه.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين". فعظم عند ذَلِكَ الخوف١.

قَالَ الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: ١٠-١١] الآيات.

وتكلّم المنافقون حتى قَالَ مُعَتّب بن قُشَيْر أحدُ بني عَمْرو بن عَوْف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوزَ كِسْرى وقيصر وأحدُنا اليوم لا يأمن عَلَى نفسه أن يذهب إلى الغائط. فأقام رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقام عليه المشركون بضْعًا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا الرَّمْيُ بالنَّبل والحصار.

ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث إلى عُيَيْنَة بن حصْن وإلى الحارث بن عَوْف، فأعطاهما ثُلُثَ ثمار المدينة عَلَى أن يرجعا بمن معهما، فجرى بينه وبينهما الصُّلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصّلح، إلّا المراوضة في ذَلِكَ.

فلما أنْ أراد رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ يفعل، بعث إلى السَّعْدين فاستشارهما فقالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أمرًا تحبّه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بُدَّ لنا منه، أم شيئًا تصنعه لنا؟ قَالَ: "بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذَلِكَ إلّا لأنّي رأيت العربَ قد رمتكم عَنْ قَوسٍ واحدة، فأردت أنْ أكسر عنكم من شوكتهم". فقال سعد بن مُعاذ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قد كنّا نحن وهؤلاء القوم عَلَى الشرّك ولا يطعمون أن يأكلوا منّا تمرة إلّا قِرًى٢ أو بيعًا، أَفَحِين أكرمنا الله بالِإسلام وأَعَزَّنَا بك نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلّا السَّيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قَالَ: "فأنتَ وذاك". فأخذ سعد الصحيفة فمحاها، ثم قال: ليجهدوا علينا٣.


١ "نفس المرجع والصفحة".
٢ إلا قرى؛ يعني: إلا ضيافة.
٣ مرسل.