وأقام رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدّوهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
وروى نحوه يونس بن بُكَيْر، عَنْ هشام بن عُرْوَة، عَنْ أبيه.
ثُمَّ إنّ نُعَيْم بن مسعود الغَطفاني أتى رَسُول الله فأسلم, وقال: إنّ قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله! قَالَ: "إنّما أنت فينا رجلٌ واحد فاخذل عنّا ما استطعت فإنّ الحرب خُدْعة".
فأتى قريظة -وكان نديمًا لهم في الجاهلية- فقال لهم: قد عرفتم وُدّي إيّاكم. قالوا صدقتَ. قَالَ: إنّ قريشًا وغَطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكُم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم، لا تقدرون عَلَى أنْ تتحوّلوا منه إلى غيره، وإنّ قريشًا وغَطفان قد جاءوا لحرب محمدٍ وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدُهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإنْ كان غير ذَلِكَ لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، فلا طاقة لكم به إنْ خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رَهنًا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم عَلَى أن يقاتلوا معكم محمدًا حتى تناجزوه. فقالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشًا فقال لأبي سُفيان ومَن معه: قد عرفتم وُدّي لكم وفراقي محمدًا، وإنّه قد بلغني أمرٌ قد رأيت عليّ حقًا أن أُبلِّغكموه نصحًا لكم فاكتموه عليّ. قالوا: نفعل. قال: تعلمون أنّ معشر يهود قد ندموا عَلَى ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد, وأرسلوا إليه أنّا قد ندِمنا عَلَى ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين، قريش وغطفان، رجالا من أشرافهم، فنعطيكهُم فتضرب أعناقهم، ثُمَّ نكون معك عَلَى من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم:"نعم". فإنْ بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنًا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.
ثُمَّ خرج فأتى غَطفان فقال: يا معشر غَطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحبّ النّاس إليّ، ولا أراكم تتّهموني. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمُتَّهم. قَالَ: فاكتموا عنّي. قالوا: نفعل. ثُمَّ قَالَ لهم مثل ما قَالَ لقريش، وحذّرهم ما حذّرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوّال، وكان من صُنعِ الله لرسوله أنه أرسل