أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة, وكان الإسلام قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْنَبَ، إِلا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ يونس، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْر بْن حزم قَالَ: خرج أَبُو العاص تاجرًا إلى الشام، وكان رجلًا مأمونًا, فكانت معه بضائع لقريش, فأقبل فلقيته سريةٌ للنّبيّ -صلى الله عليه وسلم، فاستاقوا عِيرَه وهرب, وقدِموا عَلَى رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما أصابوا فقسمه بينهم, وأتى أَبُو العاص حتى دخل عَلَى زينب فاستجار بِهَا، وسألها أن تطلب لَهُ من رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ردّ ماله عَلَيْهِ, فَدَعَا رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّريَّة فقال لهم:"إنّ هذا الرجل منا حيث قد علمتم, وقد أصبتم لَهُ مالًا ولغيره ممن كَانَ معه، وهو فَيْءٌ، فإنْ رأيتم أن تردّوا عَلَيْهِ فافعلوا، وإنْ كرهتم فأنتم وحقّكم". قَالُوا: بل نردّه عَلَيْهِ. فردُّوا والله عَلَيْهِ ما أصابوا، حتى إنّ الرجل ليأتي بالشّنَّة، والرجل بالإِداوة وبالجبل, ثُمَّ خرج حتى قدِم مكة، فأدّى إلى النّاس بضائعهم, حتى إذا فرغ قَالَ: يا معشر قريش، هَلْ بقي لأحدٍ منكم معي مال؟ قَالُوا: لا فجزاك الله خيرًا. فَقَالَ أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدِم عليكم إلّا تخوُّفًا أن تظنُّوا أَنّي إنّما أسلمت لأذهب بأموالكم, فإنّي أشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله.
وأما موسى بْن عُقْبة فذكر أنّ أموال أَبِي العاص إنّما أخذها أَبُو بَصير فِي الهدنة بعد هذا التاريخ.
وقال ابن نُمَيْر، عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد، عَنِ الشَّعبيّ، قَالَ قدِم أَبُو العاص من الشّام ومعه أموال المشركين, وقد أسلمت امرأته زينب وهاجَرَت. فقيل لَهُ: هَلْ لك أن تُسْلم وتأخذ هذه الأموال التي معك؟ فقال: بئس ما أبدأ بِهِ إسلامي أن أخون أمانتي. وكفلت عَنْهُ امرأته أن يرجع فيؤديّ إلى كلّ ذي حقٍ حقَّه؛ فيرجع ويُسْلم, ففعل, وما فرَّق بينهما، يعني النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.