وكان المعتمد أنفذ إسحاق من بغداد، وكان إبراهيم يجزل عطاياه، وكان إِسْحَاق يُعجب بنفسه ويُسيء أدبه على إِبْرَاهِيم وَيَقُولُ: بعد مجالسة الخلفاء صرت إلى ما أنا فيه.
فلما أكثر عليه أمر بفصده في الأكحلين من ذراعيه إلى أن كاد يهلك، ثُمَّ رقّ له وَقَالَ: يمكنك إن تسدّ رمقك؟ قَالَ: نعم، تشد المواضع، وتعجل لي بشرائح مشوية أمتصها. ففعل وسَلِم.
وتمادى على طباعه، فأمر بقتله، فَقَالَ: والله إنَّ مزاحك ليقضي بأن يصيبك من الخلط السودائي ما يعجز عنه حذّاق الأطباء، ويُحتاج إليَّ. فقتله وصلبه، فبقي حَتَّى عشش الخذا في جوفه. وهاج بإِبْرَاهِيم كما قَالَ خلط سودائي، فقتل فيه جماعة من إخوته وأهله وبناته. ثُمَّ أفاق وأظهر التوبة، ورد المظالم، وفرق الأموال والصدقات في سنة ثمانٍ وثمانين. فظهر فيها أبو عبد الله الشيعي، فنفذ لحربه ابنه الأحوال في اثنى عشر ألفًا، فالتقى هُوَ وأبو عبد الله، فهزمه أبو عبد الله، ثُمَّ جرت بينهما حروب، ثم هزم أبو عبد الله ووصل الأحوال إلى تاهرت فحرّقها، وهدم قصر أبي عبد الله، وحرّق مسيلة وساق ذراريه، ثُمَّ ردّ إلى إفريقية لَمَّا بلغه توجُّه أبيه إلى الجهاد.
ونفذ إبراهيم إلى ابنه أمير صقلية يأمره بولاية ولده زيادة الله على صقلية، وأن يسير إليه، ففعل. فَلَمَّا قدم عليه ولاه إفريقية، وكتب له العهد، وأحضر قاضي عيسى بن مسكين، وكان من الصالحين، فاستشاره، فأمره برد المظالم، فكشفت الدواوين من يوم ولايته، وكل من كانت له مظلمة رُدّت عليه. وعزم على الحجّ على طريق الإسكندرية، ونودي بذلك ليجمع بين الحجّ والجهاد، وليفتح ما بقي بها من حصون. وخرج إلى سوسة بجيشه في أول سنة تسعٍ وثمانين، فدخلها وعليه فَرْو مرقَّع في زي الزُّهاد، وأخرج المال، وأعطى الفارس عشرين دينارًا، والراجل عشرة دنانير. ووصلت سفن الأسطول طرابلس، واجتمعت العساكر وفيهم ولده أبو اللَّيْث، وولد ولده أبي مُضر بن أبي العَبَّاس، وأخوه معد. وافتتح حصونها. ثُمَّ نزل على طبرمين وافتتحها عنوةً. ثُمَّ لحقه زلق الأمعاء، وأخذه فواق، فمات رحمه الله في تاسع ذي القِعْدَة سنة تسعٍ وثمانين ومائتين. فرجع الجيش به إلى صقلية، فدُفن بها في قُبّة. وقام بالأمر بعده أبو العَبَّاس عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد المُتوفَّى سنة تسعين.