للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر ابن الأعرابي أبا الحسين النُّوريّ فقال: مضيت يومًا أنا ورُوَيْم بن أحمد، وأبو بكر العطّار نمشي على شاطئ نهر. فإذا نحن برجلٍ في مسجد بلا سَقْف. فقال رُوَيْم: ما أشبه هذا بأبي الحسين النُّوريّ.

فِمِلْنا إليه فإذا هو هو، فسلَّمْنا، وَعَرَفَنَا، وذكر أنّه ضجر من الرَّقَّةِ فانحدر، وأنّه الآن قدِم، ولا يدري أين يتوجَّه. وكان قد غاب عن بغداد أربع عشرة سنة. فعرضنا عليه مسجَدنا، فقال: لا أريد موضعًا فيه الصُّوفيّة، قد ضجرت منهم. فلم يزل يطلب إليه حتّى طابت نفسه، وكان قد غلبت عليه السَّوْداء وحديث النَّفس، ثمّ ضعُف بصرُهُ وانكسر قلبه، وفقد إخْوانه، فاستوحش من كلّ أحد، ثمّ إنّه تأنَّس١.

قال أبو نُعَيْم٢: سمعت أبا الفَرَج الورثَانيّ: سمعت علي بن عبد الرحيم يقول: دخلت على النُّوريّ، فرأيت رِجْليه منتفخَتْين، فسألته، فقال: طالبتني نفسي بأكْل التَّمْر، فجعلتُ أُدافَعُها، فتأبى عليَّ، فخرجت واشتريت، فلمّا أن أكلت قلت لها: قومي فَصَلِّي. فأبت. فقلت: لله عليَّ إنْ قعدت على الأرض أربعين يومًا؛ فما قعدت٣.

وقال بعضهم عن النَّوريّ قال: من رأيته يدّعي مع الله حالةً تُخْرِجُ عن الشَّرع، فلا تقتربْ منه٤.

قال ابن الأعرابي في ترجمة النُّوريّ: فسألنا أبو الحسين عن نصر بن رجاء، وعثمان، وكانا صديقين له، إلّا أنّ نصرًا تنكّر له، فقال: ما أخاف ببغداد إلّا من نصر فعرَّفوه أنّه بخلاف ما فارقه، فجاء معنا إلى نصر.

فلمّا دخل مسجده قام نصر، وما أبقى في إكرامه غاية، وبِتْنا عنده، ولمّا كان يوم الجمعة ركبنا مع نصر زورقًا من زوارقه إلى باب خراسان، ثمّ صرْنا إلى الجنيد، فقام القوم وخرجوا، وأقبل عليه الْجُنَيْد يذاكره ويمازحه، فسأله ابن مسروق مسألة، فقال: عليكم بأبي القاسم. فقال الجنيد: أجب يا أبا الحسين أرجو أن يسمعوا جوابك. فقال: أنا قادم، وأنا أحبّ أن أسمع.


١ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٧٤".
٢ الحلية "١٠/ ٢٥١".
٣ تاريخ بغداد "٥/ ١٣٢"، وسير أعلام النبلاء "١٤/ ٧١".
٤ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٧٢".