للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: فهل يدركك اللُّغُوب والإعياء إذا مشيتِ؟ قالت: نعم، ألست من البشر؟ قلت: فتتوضين للصلوات؟ قالت: نعم.

قلت: ولِمَ؟ قالت: تأمرني بذلك الفقهاء، معتق للنّوم.

وذُكِر أنّ بطنها لاصِق بظهرها، فأمرت امرأةً من نسائنا، فنظَرَتْ، فإذا بطنها كما وصفت، وإذا قد اتخذت كيسًا وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مَشَت.

قَالَ: ثمَ لم أزل اختلف إلى هُزَارسْف، يعني تلميذتها، فأعيد مسألتها، وهي تتكلم بلغة أهل خُوارزم، فلا تزيد في الحديث، ولا تنقص منه.

فعرضت كلامها كله على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه، قَالَ: أنا أسمع هذا الحديث منذ نشأت، فلا أرى من يدفعه.

وأجريت ذِكْرها لأبي العبّاس أحمد بن محمد بن طَلْحة بن طاهر والي خُوارزم في سنة ستِّ وستّين، فَقَالَ: هذا غير كائِن.

قلت: فالأمر سهل، والمسافة قريبة. فَأمُر بها، فَتُحْمَلُ إليك، وتمتحنها بنفسك.

فأمرني، فكتبت عنه إلى العامل، فَأَشْخَصها على رفق. فأخبرني أبو العبّاس أحمد أنّه وكّل أُمَّه دون النّاس بمُرَاعاتها، وسألها أن تستقصي عليها، وتتفقّدها في ساعات الغَفلات. وأنّها بقيت عند أمّه نحوًا من شهرين، في بيتٍ لا تخرج منه، فلم يروها تأكل ولا تشرب. وكثُر من ذلك تَعَجُّبُه، وقال: لا ينكر الله قدره.

وَبَرَّها وصرفها، فلم يأتِ عليها إلّا القليل حتّى ماتت، رحمها الله. قلت: حدّثني غيرُ واحدٍ أثق به، أنّ امرأة كانت بالأندلس مثل هذه كانت في حدود السبعمائة، بقيت نحوًا من عشرين سنة لا تأكل شيئًا، وأمرها مشهور.

وذكر علاء الدّين الكِنْديّ في تَذكِرته عن الفاروثيّ مثل ذلك، عند رجل كان بالعراق بعد السّتّمائة١.

٣٢٨- عيسى بن محمد. ويقال عيسى بن موسى، الأمير أبو موسى النوشري٢.


١ سير أعلام النبلاء "١٣/ ٥٧٢".
٢ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٤٦"، والنجوم الزاهرة "٣/ ١٧١".