للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القاضي محمد بن محمد: كان الصّدر الأوّل من مشايخنا يقولون: رجال خُراسان أربعة: ابن المبارك، وإسحاق، ويحيى، ومحمد بن نصر.

وقال ابن الأخرم: انصرف محمد بن نصر من الرّحلة الثّانية سنة ستّين ومائتين، فاستوطن نَيْسابور، ولم تزل تجارته بنَيْسابور، أقام مع شريك له مُضَارِب، وهو يشتغل بالعِلم والعِبادة. ثمّ خرج سنة خمسٍ وسبعين إلى سَمَرْقَنْد، فأقام بها، وشريكه بنَيْسابور، وكان وقت مقامه هو المفتي والمقدم، بعد وفاة محمد بن يحيى، فإنّ حَيْكَان -يعني يحيى بن محمد بن يحيى- ومَن بعده أَقَرُّوا له بالفضل والتَّقَدُّم١.

قَالَ ابن الأخرم: ثنا إسماعيل بن قُتَيْبة: سمعت محمد بن يحيى غير مرّة، إذا سُئِل عن مسألة يقول: سَلُوا أبا عبد الله المَرْوَزِيّ.

وقال أبو بكر الصِّبْغيّ: أدركت إمامين لم أُرْزَق السَّماعَ منهما: أبو حاتم، الرّازيّ، ومحمد بن نصر المَرْوَزِيّ٢.

وأمّا عبد بن ربيعة، فما رأيت أحسن صلاةً منه. ولقد بَلَغَني أنّ زُنْبُورًا قعد على جبهته، فسال الدّمُ على وجهه ولم يتحرّك.

وقال ابن الأخرم: ما رأيت أحسنَ صلاةً من محمد بن نصر. كان الذُّباب يقع على أُذُنِه، فَيَسِيلُ الدّم، ولا يَذُبُّه عن نفسه. ولقد كنّا نتعجّب من حُسْن صلاته وخشوعه، وهيبته للصلاة. كان يضع رقبته على صدره، فتتصلّب كأنّه خَشَبَة منصوبة. وكان من أحسن النّاس، خَلْقًا، كأنما فقئ في وجهه حَبُّ الرُّمّان، وعلى خدَّيه كالورد ولحيته بيضاء٣.

وقال أحمد بن إسحاق الصَّبْغيّ: سمعت محمد بن عبد الوهّاب الثَّقفيّ يقول: كان إسماعيل بن أحمد والي خُراسان يصل محمد بن نصر في السنة بأربعة آلاف درهم، ويصِلُه أخوه إسحاق بمثلها، ويصله أهل سمرقند بمثلها، فكان ينفقها من السنة إلى السنة من غير أن يكون له عيال. فقيل له: لو ادَّخرتَ لِنَائبةٍ.

فَقَالَ: سبحان الله أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنة، قوتي وثيابي وكاغدي وحبري،


١ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٣٦".
٢ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٣٦".
٣ سير أعلام النبلاء "١٤/ ٣٦، ٣٧".