للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا قُتِلَ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ.

حَدَّثَنِي محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قَالَ: أخذها عَبْد الله بْن رَواحة فالتوى بِهَا بعضَ الالتواءِ، ثُمَّ تقدّم عَلَى فرسه فجعل يستنزل نفسَه ويتردّد.

حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر، أَنَّ ابن رَوَاحة قَالَ عند ذَلِكَ:

أقسمْتُ يا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ ... طائعةً أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنه١ ... ما لي أراك تَكْرَهين الجَنَّة

قد طالما قد كنتِ مطمئنه ... هل أنت إلا نطفة فِي شَنَّهْ٢

ثُمَّ نزل فقاتل حتى قُتِل.

قَالَ ابن إِسْحَاق: وقال أيضًا:

يا نفس إنْ لا تُقتلي تموتي ... هذا حِمامُ الموتِ قد صُلِيت

وما تمنَّيتِ فقد أُعْطيِتِ ... إنْ تفعلي فعلهما هُديتِ

وإنْ تأخَّرتِ فقد شَقِيتِ

فلما نزل أتى ابن عمّ لَهُ بعَرق لحم فقال: أَقِمْ بِهَا صُلْبَك، فنهش منها نهشةً، ثُمَّ سَمِعَ الحَطْمة فِي ناحيةٍ فقال: وأنت فِي الدنيا؟ فألقاه من يده. ثُمَّ قاتل حتى قُتِل.

فحدّثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر، عَنْ عُرْوة قَالَ: ثُمَّ أخذ الراية ثابت بْن أقرم، فقال: اصطلحوا يا معشر المسلمين عَلَى رَجُل. قَالُوا: أنت لَهَا. فقال: لا. فاصطلحوا، على خَالِد بْن الوليد. فجاش بالنّاس، فدافع وانحاز وتُحُيِّزَ عَنْهُ، ثُمَّ انصرف بالنّاس.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَابْنَ رَوَاحَةَ، نَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ٣، وَزَادَ فِيهِ: فَنَعَاهُمْ، وَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من


١ الرنة: صوت فيه شبه البكاء.
٢ الشنة: الوعاء البالي.
٣ في "المغازي" "٥/ ٨٧" باب: غزوة مؤتة.