للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصاروا إلى دار مؤنس يطلبون المقتدر ليردّوه إلى الخلافة، وأغلق بعضهم باب دار الخلافة؛ لأنهّم كانوا كلّهم خَدَم المقتدر، فأراد أبو الهيجاء الخروج، فتعلّق بهِ القاهر وقال: تُسلّمني وتخرج؟ فداخَلتْه الحمية فقال: لَا واللَّه.

ورجع معه فدخلا الفِرْدَوْس، وخرجا إلى الرَّحْبَةِ الّتي يُسلك منها إلى باب النُّوبيّ. ونزع أبو الهيجاء وأخذ جبّة صوف، وذهب عَلَى فرسه. فوقف القاهر مَعَ خَدمٍ لَهُ، فعاد إِلَيْهِ أبو الهيجاء، فأخبره بقتل نازوك.

مقتل أَبِي الهيجاء بْن حمدان:

وسدَّت المسالك عَلَى أَبِي الهيجاء والقاهر فرجعا إلى الدّار يتسلّلون، وبقي من خدم المقتدر جماعة بالسّيوف، فخافهم أبو الهيجاء، فثبتوا فرجع القَهْقَرَى ودخل بيتًا. فجاء خماجور، وشتم أبا الهيجاء الغلمانُ، فغضب وخرج كالجمل الهائج وصاح: يال تغلب، أَأُقْتَلُ بين الحيطان؟ أَيْنَ الكُمَيْت؟ أَيْنَ الدهْماء؟ فرماه خماجور بسهمٍ في ثَدْيه، ثمّ رماه آخر فأصاب تَرْقُوَتَه. وآخر في فخذه، فنزع عَنْهُ الأسهم، وقتل واحدًا منهم. وكان مَعَ خماجور، أسودان فبادرا إلى أَبِي الهيجاء، فحزَّ أحدهما رأسه.

وأمّا أولئك فإنهم حملوا المقتدر عَلَى أعناقهم من دار مؤنس إلى قصر الخلافة، فقال: ما فعل أبو الهيجاء؟ فجاءوا براسه إلى المقتدر، فقال: مَن قتله؟ قَالُوا: لَا ندري. فاسترجع وتأسَّف عَلَيْهِ. ثمّ سمع ضجّةً، وجاءه خادم يعدو فقال: هذا محمد القاهر قد أخذ. فجيء بهِ فأجلس بين يديه، فاستدناه وقبّل جبينه، وقال لَهُ: أنتَ واللَّه لَا ذنب بك.

هذا والقاهر يبكي ويقول: اللَّه اللَّه يا أمير المؤمنين في نفسي. فقال: واللَّه لَا جرى عليك منّي سوء أبدًا. فطِب نفسًا.

وطيف برأس نازوك ورأس أَبِي الهيجاء ببغداد، ونودي: هذا جزاء من عصى مولاه وكفر نعمته. فسكن النّاس.

وعاد الوزير فكتب إلى الأقاليم بعَود الخلافة إلى المقتدر.

وقيل: إنّ الّذي قتل نازوكًا سَعِيد ومظفّر من شُطّار بغداد. ثمّ أتى مؤنس وبايع المقتدر هُوَ والقوّاد والقضاة.