بجمع الطّيّارات لينحدر بأولاده وحُرَمهِ وأمّهِ وخاصّته إلى واسط، ويستنجد منها ومن البصرة والأهواز عَلَى مؤنس.
فقال لَهُ محمد بْن ياقوت: اتق اللَّه في المسلمين ولا تسلِّم بغداد بلا حرب، وإنك إذا وقفت في المصافّ أحجم رجال مؤنس عَنْ قتالك.
فقال: أنتَ رسول إبليس.
فلمّا أصبحوا ركبَ في الأمراء والخاصّة وعليه البُرْدة وبيده القضيب، والقّراء حواله، والمصاحف منشورة، وخلْفه الوزير الفضل بْن جعفر، فشقّ بغداد إلى الشّمّاسيّة، والخلق يدعون لَهُ. وأقبل مؤنس في جيشه ووقع القتال. فوقف المقتدرُ على تل، ثمّ جاء إِلَيْهِ ابن ياقوت وأبو العلاء فقالا: تقدّم، فإذا رآك أصحاب مؤنس استأمنوا. فلم يبرح، فألحَّ عَلَيْهِ القُوّاد بالتقدم، فتقدَّم وهم يستدرجونه حتّى أوقعوه في وسط الحرب في طائفة يسيرة، وقد قدِم الجمهور بين يديه يقاتلون، فانكشف أصحابه وأسر منهم جماعة، وأبلى محمد بْن ياقوت وهارون بلاءً حسنًا. وكان معظم جُنْد مؤنس البربر، فبينا المقتدر واقف قد انكشف أصحابه رآه عليّ بْن بليق فعرفه، فترجّل وقال: يا مولاي أمير المؤمنين. وقبّل الأرض، فوافى جماعة من البربر إلى المقتدر فضربه رَجُل منهم من خلفه ضربةٌ سقط إلى الأرض، فقال لَهُ: ويلك أَنَا الخليفة.
فقال: أنت المطلوب. وذبحه بالسَّيف وشيل رأسه عَلَى رُمْح، ثمّ سُلب ما عَلَيْهِ، وبقي مكشوف العورة حتّى سُتِر بالحشيش. ثمّ حفر لَهُ في الموضع ودفن وعفي أثره.
وبات مؤنس بالشّمّاسيّة.
ذكر رواية الصوليّ عَنْ مقتل المقتدر:
وقال الصُّوليّ: لمّا كَانَ يوم الأربعاء لثلاثٍ بقين من شوّال ركب المقتدر وعليه قباء فضّي وعمامة سوداء وعلى كتفه البُرْدة، وبيده القضيب والمصاحف منشورة. وكان وزيره قد أخذ لَهُ طالعًا، فقال لَهُ المقتدر: أيّ وقتٍ هُوَ؟ قَالَ: وقت الزوال. فتطير وهم بالرجوع، فأشرقت خيل مؤنس وبليق، ونشبت الحربُ، وتفرق عَنِ المقتدر أصحابه وقتله البربريّ.