للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ، قَدْ خَضَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: "خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا"، قَالَ: تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَكَانِهَا، قَالَ: "ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ" فَرَجَعَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَسْبِي" ١. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ ابْنُ إسحاق: حدّثني وهب بن كيسان، سمعت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيِّ، حَدَّثْتُ أَبَا عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النُّبُوَّةِ حِينَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَاوِرُ فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَحَنَّثُ بِهِ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ٢. وَالتَّحَنُّثُ التَّبَرُّرُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ٣: فَكَانَ يُجَاوِرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا قَضَى جِوَارَهُ مِنْ شَهْرِهِ، كَانَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الْكَعْبَةَ، فَيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ، وَذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، خَرَجَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حِرَاءَ وَمَعَهُ أَهْلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ، جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَاءَنِي وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطٍ ٤ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قلت: ما أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَغَتَّنِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يعود لي بمثل ما


١ صحيح: أخرجه ابن ماجه "٤٠٢٨" في كتاب الفتن، باب: الصبر على البلاء، وابن أبي شيبة في "مصنفه" "٧/ ٤٣٠"، والدارمي "٢٣"، وأبو نعيم في "الحلية" "٩٨٥٤" وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "٣/ ٦١١": إسناده على شرط مسلم. وقال البوصيري في "الزوائد": هذا إسناد صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "٣٢٥٤": صحيح.
٢ رجاله موثقون: أخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" "١/ ٢٣٨" وعبيد الله بن عمير مختلف في صحبته.
٣ انظر المصدر السابق "١/ ٢٣٩، ٢٤٠" فقد أخرجه ابن إسحاق بالسند السابق.
٤ النمط: نوع من البسط.