للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِعَشِيرَتِهِ. وَجَاءَ الْوَحْيُ، وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا. فَلَمَّا أَنْ رَفَعَ الْوَحْيُ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، كَلَّا فَمَا اسْمِي إِذًا؟ كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ". فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ. فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيُعْذِرَانِكُمْ".

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ١. وَعِنْدَهُ: "كَلَّا إني عبد الله ورسوله، وهاجرت إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ".

وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِذْنِ بِالْقَتْلِ قَبْلَ عَقْدِ الْأَمَانِ.

وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا قُتِلَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ. ثُمَّ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ وَمَا تَصْنَعُونَ"؟ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ. فَقَالَ: "أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفَ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} " [يوسف: ٩٢] . قَالَ: فَخَرَجُوا كَمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ. فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ.

وقال عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الفتح من كَداء من أعلى مكَّة.

وقال عَبْد اللَّه بْن عُمَر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر قال: لما دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الفتح رَأَى النّساء يَلْطُمْنَ وجوهَ الخيل بالخُمُر، فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أَبِي بَكْر وقال: "كيف قَالَ حسان"؟ فأنشده أَبُو بَكْر:

عدِمْتُ بُنَيَّتِي إنْ لم تروها ... تُثِير النَّقْعَ من كنفي كَدَاء

يُنَازِعْنَ الأعنَّةَ مُسْرجات ... يَلْطمُهُنّ بالخُمُر النّساء

فقال: "ادخلوها من حيث قَالَ حسّان".

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا وَضَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا ابْنُ خَطَلَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ٢.


١ في "صحيحه" "١٤٧٨٠" كتاب: "الجهاد والسير".
٢ أخرجه البخاري في المغازي "٥/ ٩٢"، ومسلم "١٣٧٥" كتاب الحج، وغيرهما.