للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ". فَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالأَسْتَارِ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا، فَقَتَلَهُ. وَأَمَّا مِقْيَسٌ فَقَتَلُوهُ فِي السُّوقِ. وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ. وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَاخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، جَاءَ بِهِ عُثْمَانُ حَتَّى أَوْقَفَهُ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا, حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ، فَيَقْتُلُهُ"؟.

قَالُوا: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا فِي نَفْسِكَ، هَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِنَبِيٍّ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ" ١.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْر، قَالَ: قدِم مِقْيس بْن صُبابة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة، وقد أظهر الإِسلامَ، يطلُب بِدَمِ أخيه هِشام. وكان قتله رجلٌ من المسلمين يَوْم بني المُصْطَلِق ولا يحسبه إلّا مُشْرِكًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما قُتِل أخوك خطأ". وأمرَ لَهُ بديَته، فأخذها، فمَكَث مَعَ المسلمين شيئًا، ثمّ عَدَا عَلَى قاتل أخيه فقتله، ولحِق بمكة كافرًا. فأمر رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الفتح- بقَتْله، فقتله رجلٌ من قومه يقال لَهُ نُمَيْلَة بْن عَبْد اللَّه؛ بين الصَّفَا والمَرْوَة.

وحدّثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر، وأبو عُبَيْدة بْن مُحَمَّد بْن عمّار: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أمر بقتل ابن أَبِي سَرْح لأنه كَانَ قد أسلم، وكتب لرَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوَحْيَ. فرجع مُشْرِكًا ولَحِق بمكة.

قَالَ ابن إِسْحَاق: وإنّما أمر بقتل عَبْد اللَّه بْن خَطَلَ؛ أحد بني تَيْم بْن غَالب؛ لأنه كَانَ مسلمًا، فبعثه رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُصَدِّقًا٢، وبعث معه رجلًا من الأنصار، وكان معه مَوْلًى يخدمه وكان مسلمًا. فنزل منزلًا، فأمر الموْلى أنَّ يذبح تيسًا ويصنع له


١ "صحيح": أخرجه أبو داود في "سننه" "٢٦٨٣" في "الجهاد"، وقال الشيخ الإلباني في "صحيح سنن أبي داود" "٢٣٣٤": صحيح.
٢ مصدقًا: أي جابيًا للصدقات.