للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى، قَالا: ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الطَّائِفِ، وَتَرَكَ السَّبْيَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَمُلِئَتْ عُرُشُ مَكَّةَ مِنْهُمْ, وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَكَمَةِ عِنْدَ حِصْنِ الطَّائِفِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، يُقَاتِلُهُمْ, وَثَقِيفٌ تَرْمِي بِالنَّبْلِ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحُ، وَقَطَعُوا طَائِفَةً مِنْ أَعْنَابِهِمْ لِيَغِيظُوهُمْ بِهَا, فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: لا تُفْسِدُوا الأَمْوَالَ فَإِنَّهَا لَنَا أَوْ لَكُمْ, وَاسْتَأْذَنَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي مُنَاهَضَةِ الْحِصْنِ فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ نَفْتَحَهُ، وَمَا أُذِنَ لَنَا فِيهِ.

وَزَادَ عُرْوَةُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْطَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَمْسَ نَخْلاتٍ أَوْ حَبَلاتٍ مِنْ كُرُومِهِمْ. فَأَتَاهُ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا عَفَاءُ لَمْ تُؤْكَلْ ثِمَارُهَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا مَا أُكِلَتْ ثَمَرَتُهُ، الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ. وَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يَشْهَدْ حُنَيْنًا وَلا حِصَارَ الطَّائِفِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَلا غَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ، كَانَا بِجُرَشَ يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الدَّبَّابَاتِ وَالْمَجَانِيقِ.

ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَخْلَةٍ إِلَى الطَّائِفِ، وَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ, وَقُتِلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ, وَلَمْ يَقْدِرِ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَدْخُلُوا حَائِطَهُمْ، أَغْلَقُوهُ دُونَهُمْ, وَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَمَعَهُ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ؛ إِحْدَاهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ, فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ بَنَى عَلَى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ مَسْجِدًا. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَارِيَةٌ لا تَطْلُعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ؛ فِيمَا يَذْكُرُونَ، إِلا سُمِعَ لَهَا نَقِيضٌ. وَالنَّقِيضُ صَوْتُ الْمَحَامِلِ.

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَنْبَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَصْرَ الطَّائِفِ, فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ".

فَبَلَغْتُ يَوَمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا, وَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ عِدْلُ مُحَرَّرٍ" ١.

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا، قالت: كان


١ "صحيح": أخرجه الترمذي "١٧٠٥" في الجهاد، وقال الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي" "١٣٣٧": صحيح.