للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان كَعْب قد قَالَ:

أَلا أَبْلِغَا عَنِّي بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هَلْ لَكَا

فَبَيِّنْ لَنَا إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفاعِلٍ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ دَلَّكَا

عَلَى خُلُقٍ لَمْ ألْفِ أُمًّا وَلا أَبًا ... عَلَيْهِ وَمَا تُلْفي عَلَيْهِ أَخًا لَكا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بآسِفٍ ... وَلا قَائِلٍ إِمَّا عَثَرْتَ لَعًا لَكا

سَقَاكَ بِهَا المَأْمُونُ كأسًا روية ... فأنهلك المَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكا

فلمّا أتيت بُجَيْرًا كَرِه أنَّ يَكْتُمَها رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنشده إيّاها, فقال لما سَمِعَ: سقاك بها المأمون: "صَدَق وإنّه لكّذُوب". ولما سَمِعَ: عَلَى خُلُقٍ لم تلف أُمًّا ولا أبًا عَلَيْهِ. قَالَ: "أجل لم يلف عَلَيْهِ أَبَاهُ ولا أمّه".

ثمّ قَالَ بُجير لكعب:

مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهلْ لَكَ فِي التّي ... تَلُومُ عَلَيْها بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ

إِلى اللَّه العُزَّى ولا اللات وَحْده ... فَتَنْجُو إذَا كَانَ النَّجَاءُ وتَسْلَم

لَدى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَسْتَ بمُفْلِتٍ ... مِنَ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِم

فَديِن زُهَيْر وَهْوَ لَا شَيْءَ دِينُه ... وَدِينُ أَبي سُلْمَى عَليَّ مُحَرَّم

فلمّا بلغ كَعْبًا الكتابُ ضاقت عَلَيْهِ الأرض بما رَحُبت، وأشفق عَلَى نفسه، وأَرْجَف بِهِ من كَانَ فِي حاضِره من عَدوّه فقالوا: هُوَ مَقْتُولٌ. فلمّا لم يجد من شيءٍ بُدًّا, قَالَ قصيدته، وقدم المَدِينَةِ.

وقال إِبْرَاهِيم بْن دِيزِيلَ، وغيره: ثنا إِبْرَاهِيم بْن المنذر الحزامي، ثنا الحجّاج بْن ذي الرُقَيْبَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمى المُزَنيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدّه قَالَ: خرج كَعْب وبُجير ابنا زُهَيْر حتّى أَتَيَا أَبْرَق الْعَزَّافِ فقال بُجَير لكعب: اثبت هنا حتّى أتي هذا الرجل فأسمع ما يَقُولُ. قَالَ: فَجَاءَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فأسلم، فبلغ ذَلِكَ كعبًا فقال:

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

سقاك بها المأمون كأسًا رَوِيَّةً ... وَأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وعلكا