للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُطْلِق عَنْهُ رِبَاطه، فأبى أنَّ يطلقه عَنْهُ أحدٌ إِلا رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فجاءه فأطلق عَنْهُ بيده.

فقال أَبُو لُبابة حين أفاق: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إنّي أهجر دار قومي التي أَصَبْتُ فيها الذَّنْبَ، وأنتقل إليك فأُسَاكِنك، وإنّي أَنْخَلِع من مالي صَدَقةً إلى اللَّه ورسوله. فقال: "يُجْزِئُ عنك الثُّلُث". فهجر دار قومه وتصدّق بثُلث ماله، ثمّ تاب فلم يُرَ منه بعد ذَلِكَ فِي الْإِسْلَام إلّا خَيْر، حتّى فارق الدنيا. مُرْسَل.

وقال ورقاء، عَنِ ابن أَبِي نَجِيح، عن مجاهد، في قوله: {اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} قَالَ: هُوَ أَبُو لبابة، إذ قَالَ لقريظة مَا قَالَ، وأشار إلى حلقه بأن محمدا يذبحكم إنَّ نزلتم عَلَى حكمه. وزعم مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أن ارتباطه كَانَ حينئذ, ولعله ارتبط مرتين.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: ١٠٢] قال: كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّوْا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تُطْلِقَهُمْ وَتَعْذِرَهُمْ. قَالَ: "وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لا أُطْلِقُهُمْ وَلا أَعْذِرُهُمْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ، رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ". فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا: وَنَحْنُ لا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا١. فَأُنْزِلَتْ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ.

فَلَمَّا نَزَلَتْ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ. وَنَزَلَتْ؛ إِذْ بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] . وروى نحوه عطية العوفي، وَقَالَ عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بن مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غزوة تبوك.


١ "إسناده قوي": أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" "٩٨٤"، والسيوطي في "الدر" "٣/ ٢٧٣" وعزاه لأبي الشيخ في "تفسيره"، وابن منده، وأبي نعيم في "المعرفة" وابن عساكر بسند قوي، وقال الحافظ في "الإصابة": إسناده قوي، وانظر: "المقبول" "٣٨٧".