وحُبِست وقُيّدُت، وكتبوا فيّ إلى مصر، فورد الكتاب بقطع لساني، وبضربي خمسمائة سَوْطٍ، وبصَلْبي، ففُعل بي، فرأيت لساني على البلاط مثل الرّيّة، وكان البرد والجليد، وصلّيت واشتدّ عليّ الجليد، فبعد ثلاثة أيام عهدي بالحدّائين يقولون: نعرّف الوالي أنَّ هذا قد مات، فأتوه، وكان الوالي جيش بن الصمصامة فقال: أَنْزِلوه، فألقوني على باب داود، فقوم يترحّمون عليّ وآخرون يلعنوني، فلمَّا كان بعد العشاء جاءني أربعة فحملوني على نعش ومضوا بي ليغسّلوني في دار، فوجدوني حيًّا، فكانوا يصلحون لي خزيرة بلَوْز وسُكّر أسبوعًا.
ثم رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المنام ومعه أصحابه العشرة، فقال: يا أبا بكر، ترى ما قد جرى على صاحبك، قال: يا رسول الله، فما أصنع به؟ قال: اتْفُلْ في فيه، فتفل في فيَّ، ومسح النبي -صلى الله عليه وسلم- صدري، فزال عنّي الألم، وانتبهت ببرد ريق أبي بكر، فناديت، فقام إليَّ رجل، فأخبرته، وأسخن لي ماء، فتوضّأت به، وجاءني بثياب ونفقة وقال: هذا فتوح، فقمت.
فقال: أين تمر؟ الله الله، فجئت المأذنة وأذَّنت الصُّبح:"الصلاة خير من النوم"، ثم قلت قصيدة في الصحابة، فأخذت إلى الوالي فقال: يا هذا، اذهب ولا تُقِم ببلدي، فإنّي أخاف من أصحاب الأخبار، وأدخل فيك جهنّم، فخرجت وأتيت عُمان، فاكتريت مع عرب الكوفة، فأتيت واسط، فوجدت أمّي تبكي عليّ، وأنا كل سنة أحجّ وأسأل عن القدس لعلَّ تزول دولتهم، فرأيته طلق اللسان ألثغ.
ولاية دمشق:
وفي المحرَّم ولي إمرة دمشق بدر الشمولي الكافوري، ولي نحوًا من شهرين من قِبَل أبي محمود الكتامي نائب الشام للمعزّ، ثم عُزل بأبي الثريَّا الكردي، ثم ولي دمشق ريَّان الخادم المعزّي، ثم عُزل أيضًا بعد أيام بسبكتكين التركي.