وفي شعبان ورد رسول العزيز صاحب مصر إلى عضد الدولة بكتاب، وما زال يبعث إليه برسالة بعد رسالة، فأجابه بما مضمونه صدق الطوية وحسن النية.
تلقيب عضد الدولة:
وسأل عَضُدُ الدولة الطائعَ أن يزيد في لقبه "تاج الملّة"، ويجدّد الخُلع عليه ويُلّبِسه التاج، فأجابه، وجلس الطائع على السرير وحوله مائة بالسيوف والزّينة، وبين يديه مُصْحَف عثمان، وعلى كتفه البُرْدَةُ، وبيده القضيب، وهو متقلِّد سيف النبي -صلى الله عليه وسلم، وضُرِبت ستارة بعثها عضد الدولة، وسأل أبو نعيم الحافظ تكون حجابًا للطائع، حتى لا تقع عليه عين أحدٍ من الْجُنْد قبله، ودخل الأتراك والدّيْلَم، وليس مع أحد منهم حديد دون الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، ثم أذِن لعَضُد الدولة فدخل، ثم رُفعت الستارة، وقبَّل عضُدُ الدولة الأرض، فارتاع زياد القائد، وقال بالفارسية: ما هذا أيها الملك، أهذا الله -عزّ وجلّ؟ فالتفت إلى عبد العزيز بن يوسف وقال له: فهِّمه وقل له: هذا خليفة الله في الأرض، ثم استمرَّ يمشي ويقبّل الأرض سبع مرات، فالتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال: استَدنِه، فصعد عضُدُ الدولة، فقبَّل الأرض دفعتين، فقال له: اُدْنُ إليّ اُدْنُ إليّ، فدنا وقبَّل رجْلَه، وثنى الطائع برِجْله عليه، وأمره فجلس على كُرْسيّ، بعد أن كرَّر عليه: اجْلس، وهو يستعفي، فقال: أقسمتُ لَتَجلِسْ، فقبَّل الكرسيّ وجلس، وقال له: ما كان أَشْوَقُنا إليك وأَتْوَقُنا إلى مفاوضتك، فقال: عُذْري معلوم، وقال: نِيّتُك موثوقٌ بها، وعقيدتك مسكون إليها، فأومأ برأسه، ثم قال له الطائع: قد رأيت أن أفوّض إليك ما وكّل الله من أمور الرعيّة في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها، سوى خاصّتي وأسبابي، فتولَّ ذلك مستخيرًا بالله.
قال: يعينني الله على طاعة مولانا وخِدْمته، وأريد وُجُوهَ القوّاد أن يسمعوا لفظ أمير المؤمنين.
فقال الطائع: هاتوا الحسين بن موسى، ومحمد بن عمرو بن معروف، وابن أمّ شيبان، والزينبي، فقدموا، فأعاد الطائع القول بالتفويض، ثم التفت إلى طريف الخادم فقال: يا طريف، تفاض عليه الخُلَع ويُتَوّج، فنهض إلى الرّواق وألْبِس الخُلَع، وخرج قادمًا ليقبِّل الأرض، فلم يُطِقْ لكثرة ما عليه، فقال الطائع: حسْبُك، وأمره بالجلوس، ثم استدعى الطائع تقديم ألويته، فقدّم لواءين، واستخار الله، وصلّى على