للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكُمَّ وخُذِ الجميع، فلم يفعل. وكان فيه بضع عشرة درّة، فأتت قصر المُعِزّ فإذِن لها، فأخبرته بأمرها، فأحضره وقرَّره، فلم يقرّ، فبعث إلى داره من خرب حيطانها، فظهرت جرة فيها البغلطان، فلمَّا رآه المعز تحيِّر من حُسْنه، ووجد اليهوديّ قد أخذ من صدره دُرّتين، فاعترف أنّه باعهما بألف وستمّائة دينار، فسلّمه بكماله، فاجتهدت أن يأخذه هديّة أو بثمن، فلم يفعل، فقالت: يا مولانا، هذا كان يصلح لي وأنا صاحبة مصر، فأمَّا اليوم فلا، ثم أخذته وانصرفت.

وجاء أنَّ المنجّمين أخبروه أنّ عليه قطْعًا، وأشاروا عليه أن يتّخذ سردابًا ويتوارى فيه سنة، ففعل، فلمَّا طالت غيبته ظنَّ جُنْدُهُ المغاربة أنَّه قد رُفِع، فكان الفارس منهم إذا رأى الغمام ترجّل ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. ثم خرج بعد السنة، وتوفِّي بعد ذلك بيسير.

وكان قد قرأ فنونًا من العلم والأدب، والله أعلم بسريرته.

قيل: أنّه أحضر إليه بمصر كتاب فيه شهادة جدّه عُبَيْد الله بسَلَمِيّة، وكتب: "شهد عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الباهلي". وفي الكتاب شهادة جماعة من أهل سَلَمِيَّةَ وحمص، فقال: نعم هذه شهادة جدنا، وأراد بقوله: الباهلي أنّه من أهل المُبَاهَلَة لا أنّه من باهِلَة.

وكان المُعِز أيضًا ينظر في النجوم.

وقيل: إنَّه قال هذين البيتين:

أَطْلَعَ الحُسْنُ من جبينك شَمْسًا ... فوق ورْدٍ من وجنتيك أطلَّا

وكأنَّ الجمال خاف على الور ... د ذُبُولًا فمدَّ بالشَّعْرٍ ظلًا

وله فيما قيل:

لله ما صَنَعَتْ بنا ... تلك المحاجِرُ في المعاجر

أمضى وأقضى في النفو ... س من الخناجر في الخناجر

ولقد تعبت ببينكم ... تعب المهجر في الهواجِرُ

توفِّي فِي ربيع الآخر سنة خمسٍ وستّين، وله ستّ وأربعون سنة، وكان مولده بالمهدية.