بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَعَلا عَلَيْهَا وَفَعَلَ كَمَا فَعَل عَلَى الصَّفَا, فَلَمَّا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: "إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً, فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً". فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إِلا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ.
فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ, فَقَالَ: يَا رسول الله ألعامنا هذا أم لِلأَبَدِ؟ قَالَ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَقَالَ: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ، لا؛ بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ".
وَقَدِمَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنَ الْيَمِن بِبُدْنٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا. فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَرِّشًا بِالَّذِي صَنَعْتُهُ، مُسْتَفْتِيًا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "صَدَقَتْ، صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ"؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: "فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلا تَحْلِلْ". قَالَ: فَكَانَ الْهَدْيُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ، وَالْهَدْيُ الَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةٍ.
ثُمَّ حَلَّ النَّاسُ وَقَصَّرُوا، إِلا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَّهُوا إِلَى مِنًى، أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ, ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا, أَلا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَدِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ, وَأَوَّلَ دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ؛ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ, وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلَ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا؛ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute