ظَاعِنٌ إِلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِبُزَاخَةَ، وَجَمَعَ لَهُ هُنَاكَ الْعَدُوُّ بَنُو أَسَدٍ وَغَطَفَانُ فَاقْتَتَلُوا، حَتَّى قُتِلَ مِنَ الْعَدُوِّ خَلْقٌ وَأُسِرَ مِنْهُمْ أُسَارَى، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِالْحُظُرِ أَنْ تُبْنَى ثُمَّ أَوْقَدَ فِيهَا النِّيرَانَ وَأَلْقَى الْأُسَارَى فِيهَا، ثُمَّ ظَعَنَ يُرِيدُ طَيِّئًا، فَأَقْبَلَتْ بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ وَالنَّاسُ مُسْلِمِينَ مُقِرِّينَ بِأَدَاءِ الْحَقِّ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ خَالِدٌ.
وقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيُّ فِي رِجَالٍ مَعَهُ مِنْ تَمِيمٍ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَحْنُ رَاجِعُونَ، قَدْ أَقَرَّتِ الْعَرَبُ بِالَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، فَقَالَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: قَدْ لَعَمْرِي آذَنُ لكم، وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن تمامة الْكَذَّابِ، وَلَا نَرَى أَنْ تَفَرَّقُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَسَنٍ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ فَارَقَ أَمِيرَهُ وَهُوَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَأَبَتِ الْأَنْصَارُ إِلَّا الرُّجُوعَ وَعَزَمَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَنَدِمُوا وقالوا: ما لكم وَاللَّهِ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِنْ أُصِيبَ هَذَا الطَّرَفُ وَقَدْ خَذَلْنَاهُمْ، فَأَسْرَعُوا نَحْوَ خَالِدٍ وَلَحِقُوا بِهِ، فَسَارَ إِلَى الْيَمَامةِ، وَكَانَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ سَيِّدُ بَنِي حَنِيفَةَ خَرَجَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا يَطْلُبُ دِمَاءً فِي بَنِي عَامِرٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَتَلَ أَصْحَابَ مُجَّاعَةَ وَأَوْثَقَهُ.
وَقَالَ الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ عَدِيٍّ، عَنْ وَحْشِيٍّ قَالَ: خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا طُلَيْحَةَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: لَا أَرْجِعُ حَتَّى آتِيَ مُسَيْلِمَةَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بينا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ لَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّمَا بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَسَارَ، ثُمَّ تَبِعَهُ ثَابِتٌ بَعْدَ يَوْمٍ فِي الْأَنْصَارِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ حَرْبٍ مُجَلِّيَةٍ أَوْ حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا الْحَرْبُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟ قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ١ وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم فِي النَّارِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا قَوْلُكَ "تَدُونَ قَتْلَانَا" فَإِنَّ
١ الكرع: اسم لجميع الخيل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute