العقل، ويدعو إلى التفكير والتدبر، جاء في صور متنوعة، منها صورة التشبيه التمثيلي في قوله:"رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، قد شبه الصائم القائم في متابعة فعل الخيرات والحسنات في ثلاثين يومًا، وترك المنكرات وهجر المحرمات والمكروهات، حتى تجردت صفحاته من الأوزار واتسعت للحسنات والأنوار، فعاد الصائم إلى فطرته المستقيمة طاهرًأ بريئًا نقيًا صافيًا شبه ذلك كله بالطفل على فطرته، حين يولد طاهرًا بريئًا، لم تقع منه معصية مطلقًا، بل كان في بطن أمه على الفطرة الربانية المستقيمة بلا جريرة أو ذنب، مثل الحج المبرور فليس له جزاء إلا الجنة، ومنها التجسيم الفني البليغ للذنوب، وهو أمر معنوي لا حسي، حين يقاوم الصائم التخلص منها وهي تلح عليه وتغريه، فينزع جسده وكيانه منها، كما ينزع الجنين من الرحم الذي أحاط به وأطبق على كيانه، فكان الرحم يقاومه ويصر على أن يحيط به ويلازمه، ومنها التوازن الإيقاعي والتناسق الموسيقي الذي يثير العاطفة ويشد العقل، في المقابلات من الصور التعبيرية البليغة، كالطباق في "فَرَضَ وسَنَنْتُ" وبين "الصيام والقيام" وبين "صامه وقامه" وبين "إيمانًا واحتسابًا"، وكالمقابلة بين جملتي "فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه"، والتعادل الموسيقي بين جملتي الشرط "فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا"، وجملة الجواب والجزاء:"خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" فتحرك موسيقاه العاطفة ويتفاعل معها العقل، حتى تتمكن فيه القيم الخلقية من النفس، وتستقر في أعماقها منهجًا قويمًا لا تبرح عنها، لتصير سلوكًا ساميًا، وعملًا صالحًا، بالإضافة إلى ما يفيده جواب الشرط من الحكم الفصل، والقرار الذي لا رجعة فيه بفضل الله عز وجل، وهو من صام وقام إيمانًا واحتسابًا استحق على سبيل الجزم واليقين التجرد من الذنوب والأوزار،