الطبيعة الخيرة، والموصوفة بأفضل المعالي، من اليد المعهودة بالدنو والتسفل والقبح، كل ذلك على سبيل التوكيد والحصر، حتى صار الخير مقصورًا على اليد العليا، لأنها دائمًا سامية وعفيفة وجادة وعاملة، لأن أفضل الجهاد جهاد النفس، وتكررت هذه الصورة الأدبية، ليؤكد هذه القيم الخلقية والتشريعية السامية، في قوله بأسلوب المفاضلة:"وخير الصدقة عن ظهر غنى"، ومنها: الصورة البليغة بأسلوب الأمر والجزم، ليدل على أنه الأفضل ولا خير في غيره ولا بديل عنه، حتى يتفق مع القيم الخلقية السابقة، وذلك في قوله:"وابدأ بمن تعول"، مع دلالة "من" على جميع من تجب عليه نفقتهم، من نفسه وزوجه وأولاده ووالديه وخادمه، لأن فعل الأمر يدل على الوجوب والفرض واللزوم، زاد النسائي:"أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك"، ويؤكد هذا أيضًا بصورة أدبية أخرى، تدل على الأم، لكنها بصيغة المضارعة المقرونة بالسين والتاء، التي تدل على الطلب في قوله:"يستعفف" أي يطلب العفة، وقوله:"يستغن" أي يطلب الغنى، ومنها الصورة الأدبية، التي تدل على العموم والشمول في التعبير، بـ "من" فطلب العفة والغنى واجب على الجميع لا فرق بين الكبير والصغير، والذكر والأنثى والقوي والضعيف، فقد قصر الله عز وجل العزة على ذاته العلية، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المؤمنين:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} ، ثم ما أعظم التنكير في "غنى" فهو يدل على التعظيم والتكثير.
التصوير الفني في بلاغة الأسلوب البياني، المستمد من الصور الخيالية التي تثير النفس والعاطفة، ويعمر بها القلب والوجدان، ويتزود منها العقل والمعرفة، ومنها: الصورة الأدبية التي تستمد روافدها من كنايتين بليغتين، الأولى صورة اليد العليا، فهي كناية عن المنفق والمتصدق، وكثرة