للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البذل والعطاء، والترفع والعفة والكسب والعمل، والغنى والثراء والثانية صورة "اليد السفلى"، فهي كناية عن الشحاذة والسؤال، والسائل والمحتاج، والفقر والضعف والكسل والعجز وعدم الترفع، وغير ذلك مما لا يليق بالمؤمن القوي العفيف، ذي الهمة العالية في العبادة والعمل، ومنها: الصورة البليغة القائمة على الاستعارة في قوله: "عن ظهر غنى"، فقد شبه الغنى والثراء بالظهر، الذي يحمي الأحشاء والبطن في البدن من الضرر، بجامع الحماية والوقاية من الفقر والضعف، ومهانة ذل السؤال، فالغني يستظهر بغناه على النوائب والملمات، فيعينه على الإنفاق والصدقة، وقضاء فاقة المحتاج والفقير ومساعدة المساكين، ومنها: الصورة البليغة النابعة من مصادر الموسيقى في قوله: "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله"، لما يفيده التوازن المتناسق بين جملتي الشرط والجزاء، كما يفيد المزاوجة بين الجملتين، للدلالة عن العفة وعن الغنى، وفي جملة الشرط والجزاء حتمية القرار، والقول الفصل الذي لا رجعة فيه، فمن طلب الغنى أغناه الله، ومن طلب العفه أعفه الله تعالى، إنما الأعمال بالنيات، كما في الحديث الشريف، قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} ، وفي الحديث الشريف إيجاز؛ فقد دل على معان كثيرة، وقيم خلقية وتشريعية متنوعة، من خلال ألفاظ محدودة، وتعبيرات قليلة دون المعاني والقيم المختلفة، وهذا هو ما اختص به النبي -صلى الله عليه وسلم- من بين الخلق جميعًا بجوامع الكلم، فصار أبلغ العرب قاطبة كما قال: "بيد أني من قريش".

القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:

١- الشأن في المسلم أن يكون قويًا عزيزًا ذا همة عالية؛ فلا يقبل منه الإسلام أن يكون ضعيفًا ذليلا حقيرًا، لا يمد يده لذل السؤال، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

<<  <   >  >>