للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصديق والعمل به منهجًا وسلوكًا، وجاءت الصور الفنية للحج مقيدة بعدم الرفث والفسوق، ليضفي على التصوير البلاغي قيمًا فنية وخلقية تعود إلى دلالات الألفاظ التصويرية؛ فتشمل "من" كل مسلم رجلًا أو امرأة، كهلًا أو شيخًا، أو شابًا، فلا بد أن يتصف الجميع بالعقل، على العكس من "ما"، التي تشمل العقلاء وغيرهم، والمميز وغير المميز، والمكلف وغير المكلف، وآثر التعبير بقوله: "حج" دون "أدى" لأن الأداء قد يكون قاصرًا، أو رياء وسمعة أو يطلق على بعض المناسك دون غيرها، كل ذلك يعد أداء، لكن المصطلح الشرعي للفظ "الحج" يشمل مشاعره تامة كاملة في إيمان صادق وإخلاص في الأداء ابتغاء مرضاة الله عز وجل، لذلك جاء العنصر الثالث وهو أن يكون لله عز وجل لا للشهرة أو الرياء، ولا طمعًا في متاع الحياة الدنيا، ولا لمجرد إسقاط الفريضة عنه فقط، بل يكون أداء الحج طاعة لله سبحانه، وإيمانًا به وبرسوله، وخوفًا من عذابه وطمعًا في رحمته وجنته، وتكفيرًا لسيئاته وأوزاره، وتصديقًا لشريعته، التي جاءت لتحقيق السعادة للبشرية جمعاء، وفي الحديث الشريف: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... إلخ ".

وبلاغة التصوير الأدبي في قوله: "فلم يرفث ولم يفسق" يقوم على عناصر جمالية في التعبير، لأن مشاعر الحج طاعة وعبادة وتقديسًا لله عز وجل، لا يتفق مع المدلول اللغوي للرفث والفسوق؛ فالرفث معناه الفحش والجماع، وهو يتعارض مع قداسة مشاعر الحج، ولا يتناسب مع الجانب الروحي فيها؛ فهو يتنافى مع الشهوات والملذات المادية، فلها مجال آخر غير الحج، وفي الحديث الشريف: "إن لربك عليك حقًا وإن لنفسك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا فأعط كل ذي حق حقه" وكذلك الفسوق، وهو بمعنى الخروج عن طاعة الله تعالى، والتمرد على مشاعر

<<  <   >  >>