سبيل التشبيه والتصوير الحسي؛ ليكون أقوى تأثيرًا وأسرع نفاذًا إلى القلب والنفس، فقد شُبه الإيمان ومكملاته بالشجرة الضخمة وشعبها، التي تحمل كل شعبة فروعًا وأوراقًا وأزهارًا وثمارًا، فشبه الإيمان بأصل الشجرة جذوعًا وسيقانًا، وشبه مكملات الإيمان بالسبعين شعبة، وما تحمل كل شعبة، وجاء هذا التشبيه التمثيلي البليغ على سبيل الاستعارة بالكناية؛ فحذف المشبه به وهو الشجرة وطوى ذكرها، وأثبت شعبها وفروعها وغيرها من مستلزمات الشجرة على سبيل المجاز والتخييل؛ لأن التصوير بالمحسنات من الواقع بالشجرة أبلغ تأثيرًا في النفس من تصوير الإيمان بالمعاني الذهنية المجردة.
بلاغة التعبير بقوله:"والحياء شعبة من الإيمان":
ذكر الحديث الشريف الحياء وخصه بالذكر دون غيره من السبعين، لأن الحياء يشمل جميع شعب الإيمان الثلاث، وما يتفرع عنها وهي أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن؛ لأن معنى الحياء هو الخلق السامي الذي يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، لذلك ورد في حديث آخر "الحياء خير كله" لأن الحياء من الله ألا يراك حيث نهاك؛ لأن الله يراقبك ويراك وهو المراد من الحديث الشريف:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وأخرج الترمذي قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"واستحيوا من الله حق الحياء" قالوا: إنا نستحي والحمد لله فقال: "ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى؛ فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" قال الطيبي: أفرد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب، كأنه يقول هذه شعبة واحدة من شعبة، فهل تُحْصَى شعبُه كلها