وانسجامه مع بلاغته، واتساقه مع فطرته، فينهاه ربه عن العجلة، لأن القرآن الكريم موصول بقلبه إيمانًا وحفظًا، قال تعالى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
لهذا لا ينفك أسلوب صفي الله وخليله في هذه الخطبة عن روح القرآن الكريم، وبلاغته في لفظ عذب رقيق جزل، واتساق نظم في أحسن موقع، وسلاسة فحوى وسهولة مخرج، في أسلوب صاف سهل ممتع، يحفل بالحكم البديعة والمعاني الغزيرة، التي لا تصدر إلا عن نفس شريفة عزيزة، حازت شرف القرآن، وعزت بخطاب الله عز وجل؛ لذلك تعجب منه أصحابه قائلين: ما وجدنا أفصح منك، قال:"وما يمنعني وإنما أنزل القرآن عليَّ بلسان عربي مبين، وأنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد".
لذلك تجد في هذه الخطبة منهج القرآن الكريم، وروحه وقيمه الخلقية، فمعانيه شريفة وأخلاقه سامية في أسلوب عفيف بليغ، وعبارات رشيقة سامية، وتصوير أدبي أخاذ بالقلوب، تتفتح له منافذ التلقي في الإنسان انبهارًا وخضوعًا واقتناعًا؛ لأنه أوتي جوامع الكلم.
بلاغة الأسلوب في التعبير الإنشائي عن القيم الخلقية في هذه الفقرة، فقد خاطب بالأسلوب الإنشائي المتنوع المتلقي خطابًا مباشرًا، يثير انتباهه ويحرك عواطفه ويستثيره، فيتلقاه عن إيمان صادق وعاطفة حارة، ووجدان حي متيقظ، وعقل مفتوح مستوعب، فقد جمع بين النداء المقرون بأداة التنبيه فقال:"يا أيها الناس" مرات، مرة في صدر الفقرة، ومرة أخرى في وسطها "بالياء" لتأكيد الصورة البلاغية، وفي نهايتها