فإنها إن أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضر حلو، ونعم صاحب المسلم، هو لمن أعطى منه المسكين وابن السبيل، وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شاهدًا يوم القيامة".
المعادلة الصعبة في الحديث الشريف: جاءت في قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح من زهرة الدنيا وزينتها" حين تقبل الدنيا على الناس بالخير والمال الوفير، والعقارات وأرصدة البنوك وغيرها من متاع الغرور وزينة الدنيا وفتنتها، لذلك تعجب السائل من خوف النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الخير لأمته، فقال معترضًا: أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ فسكت عن الإجابة، لأنها معادلة صعبة تحتاج إلى وحي من الله في ميزان دقيق، يكشف الغموض في هذا التناقض في الظاهر، ليكون مقياسًا إلهيًا، وميزانًا عادلًا في التعامل مع الخير وزينة الحياة الدنيا، ليأتي بالخير والثواب العظيم حتى لا يكون وبالًا على صاحبه يجلب له الشر والعقاب.
التصوير الأدبي في التعبير البلاغي عن ميزان المعادلة الصعبة وذلك على النحو التالي:
أولًا: لا بد للرسول أن يخرج المستمعين من حيرتهم التي أحاطت بهم، حتى قال بعضهم: ما شأنك تكلم رسول الله لا يكلمك، وانتظروا الإجابة حين علموا أن الوحي ينزل عليه، فكان أول شيء يبدد هذه الحيرة أن تكون الإجابة قاطعة بالحكم النهائي قبل أن يعرض المقدمات، فقال -صلى الله عليه وسلم- في بلاغة ونصاعة حجة مؤكدًا قوله بمؤكدات هي "إنّ"، وأسلوب القصر بالنفي والاستثناء فقال: "إن الخير لا يأتي إلا بالخير" وقبل ذلك سأل عن السائل بطريقة أوحت إلى الحاضرين بأنه يشكره على سؤاله، ويثني كثيرًا على مداخلته فقال: "أين السائل"؟ قال الراوي: وكأنه حمده.