للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: هذا المقياس قضية فكرية مجردة عميقة، يقف العقل أمامها في حيرة وطول نظر وروية، تحتاج من البليغ وخاصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبلغ العرب قاطبة -أن يعرضها في صورة أدبية تقربها من العقول، وتتفتح لها منافذ الإدراك في النفس من العقل والعاطفة والوجدان والإحساس والمشاعر لتستقر في وضوح بيان، وحجة دامغة، وبرهان حسي قاطع؛ لذلك اختار لها صورًا واقعية من البيئة المحسة، تجمع بين عناصر الربيع والبقل والنبات والحيوان والرعي والماشية والخضر والكلأ والشمس والحبط وما أشبه ذلك.

ثالثًا: صور الرسول -صلى الله عليه وسلم- المال الحرام، والكسب المنهي عنه سواء عن طريق تحصيله أو الإسراف فيه، أو كنزه أو عدم إخراج حق المجتمع فيه، صور ذلك في صورة محسة واقعية بليغة، وذلك حينما ينبت فصل الربيع نباتًا غير صالح للمرعى، يقتل الماشية أو يكاد، وهو الحبط وما يقرب من ذلك فإذا أكلته الماشية ماتت لساعتها أو مرضت، وكادت أن تموت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم".

رابعًا: صور الرسول -صلى الله عليه وسلم- المال الحلال والكسب المرغوب فيه، سواء بالتحصيل أو بالاعتدال في إنفاقه، واستخراج حقوق المجتمع منه، أو باستغلاله فيما يعود على الأمة بالخير، صور ذلك في صورة واقعية محسة بليغة، وذلك حينما ينبت الربيع كلًأ ومرعى خضرًا حلوًا، تأكل منه الماشية وترعى فيه، فتزداد نموًا وتربو الحما، فتنعم بالعافية وتستقبل الشمس، متمتعة، بحلاوة الأكل وجمال الطبيعة الساحرة، ودفء الشمس الواقي لها من المرض والعلل، فقال: "إلا آكلة الخضر فإنها إن أكلت امتدت خاصرتها واستقبلت عين الشمس ... " إلخ.

خامسًا: ثم استنتج من تلك الصورة المحسة البليغة مقدمات الحكم والنتيجة الدامغة، حين مدح المال ومصادر الخير فقال: "ونعم صاحب المسلم"، موضحًا هذه النعم وتلك الخيرات، إذا أعطى منه للفقير حقه،

<<  <   >  >>