تباغضوا" فيتعاطى المرء زيادة على ما سبق أسباب البغض وهي الشتم والسباب والخصومة والضرب، ثم يترتب على المشهد الثالث -زيادة على ما سبق- المشهد الرابع وهو عدم التحاسد في "ولا تحاسدوا" وهو من أكبر الكبائر، فيزداد على التباغض بالحسد، وهو كراهية الخير للآخرين، وتمني زوال النعمة عن الغير، وهكذا تجد البلاغة النبوية في هذه الوحدة العضوية بين مشاهد الحديث الشريف حتى أصبحت هذه المشاهد في مواقعها، كمواقع الأعضاء في جسد الإنسان فالعين والسمع والأنف واليد وغيرها كل في مكان يكون وحدة عضوية في جسد الإنسان السوي في أحسن صورة؛ فتبارك الله أحسن الخالقين. روعة التصوير الفني في بلاغة التعبير بصيغ المفاعلة في الحديث الشريف وذلك في قوله: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا" فعدم التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد وغيرها من الصيغ العربية على وزن التفاعل تدل على المشاركة والصراع والتفاعل بين الطرفين مما تصور حقيقة المنهي عنه والمحرم فيؤدي إلى تشتيت الأمة وتدمير قوتها، فلو كانت هذه الأفعال من جانب واحد لما حدث هذا الضرر، لأن الآخر قد لا يبادله الصنيع فيعفو عنه، ويتعامل معه بالحسنى؛ فلا يحدث الضرر والمحرم، قال تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وهو ما أشار إليه الحديث الشريف بأن يكونوا عباد الله إخوانًا، فلا يتمادوا في الخصومة فوق الثلاث، وأن خيرهما من يبدأ بالسلام والمحبة فيسبق غيره إلى الجنة، جاء في حديث آخر: "ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا إن كان ظالمًا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره".
روعة التصوير الفني في بلاغة ختام الحديث؛ ليكون قرارًا نهائيًا لا مردَّ فيه، وحكمًا فاصلًا غير منقوص، وهذا القرار والحكم هو الأخوة بين