بالحياة وهام بها فالمال من ميل القلب إليه وحبه حبًا جمًا:{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} ، {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} ، {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُورًا} ، {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} وفي الحديث الشريف: "منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال"، "ولو أعطي ابن آدم واديًا من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" وغير ذلك كثير مما يجعل الإنسان حريصًا على إنفاقه، كما حث على اكتسابه من حلال، قال تعالى:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} ، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الإنفاق والبخل في هذا الحديث الشريف:
أولًا: شبه الإنفاق والبخل -وهما من المعاني المجردة- بصورة مادية محسوسة بالثوب أو الدرع من الحديد، قد يحمي صاحبه من الهلاك إذا كان منفقًا، أو يكون سببًا في هلاكه والقضاء عليه إذا كان بخيلًا، وفي هذه الصورة الأدبية القائمة على التمثيل المعنوي بالمحسوس، وتشبيه المتخيل بالمادي المحس، يضفي على المعاني الكثيرة فيه جمال المبالغة مع الإيجار، وروعة البيان وسحره مع التركيز والإيحاء؛ لأن النفس تتعلق بالمادي والمحسوس، وتفتتن به أكثر من المعنى المجرد لغموضه وإبهامه، فالمادي يدرك بجميع الحواس، وهي كثيرة مع العقل والعاطفة والوجدان، والمعنوي لا يدرك إلا بالعقل فقط، لذلك كان التجسيم للإنفاق والبخل في هذا الحديث الشريف أبلغ تصويرًا وأقوى بيانًا.