يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ، وتظهر روعة البلاغة النبوية في هذه الكلمة الموجزة لتصور حرص الإسلام على القيم الخلقية السامية، التي يحافظ بها المؤمن على قوة جسده، وعزة نفسه بعدم الإسراف في المأكل والمشرب، فلا يتعرض للتخمة والكسل والمرض، كما في الحديث الشريف:"بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"، وفي آخر "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع"، وكذلك عدم الإسراف في الملبس لصيانة جسده وحفظه، فيظهر في أجمل صورة، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، وفي الحديث الشريف:"إن الله جميل يحب الجمال"، وفي إسراف الملبس ما يعين على تدمير الاقتصاد وحرمان الغير، وإثارة الحقد والبغضاء عند المحرومين، وكذلك لا يسرف في الصدقة، بل يتوسط حتى يذر أولاده أغنياء من بعده لا يتكففون الناس، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} وخير الصدقة التي ينفقها الإنسان على نفسه وأهله وولده ومن تلزمه نفقتهم، قال تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} إلى قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} .
روعة التصوير الأدبي لبلاغة الحديث في التعبير بقوله:"ولا مخيلة" أي: بدون كبر وخيلاء ومفاخرة، فالبلاغة في هذه العبارة مع إيجازها؛ تتضمن قيمًا خلقية كثيرة؛ أولًا: أن المخيلة في المأكل والمشرب والملبس والتصدق؛ تعود على الإنسان في الدنيا والآخرة بالغرور والفساد، والضرر وإثارة الحقد والبغضاء والحسد، فتدمره وتهلكه كما ورد في الحديث القدسي: "العظمة ردائي والكبرياء إزاري فمن نازعني أحدهما