للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حين عبر بهذه الصور البليغة على النحو التالي جاءت العبارة الأولى: "إن الغضب من الشيطان"، تحمل شحنات من التحذير والتخويف والترهيب والتعبئة النفسية والروحية لمقاومة الانفعال، وهوى النفس ومصارعة الشيطان، وذلك عن طريق روافد التصوير الأدبي المختلفة، التي تتفجر من معاني الغضب وعداوة الشيطان للإنسان بمؤكدات ثلاثة هي: إنّ، واسمية الجملة وتعريف الغضب والشيطان، لكي ترد كل إنكار تتفتح له كل منافذ الإدراك، وتسد عليه كل الأبواب، ثم تأتي العبارة الثانية: "وإن الشيطان خلق من نار"؛ لتؤكد المعاني والقيم الخلقية في العبارة الأولى بمؤكدات، هي "إنّ" واسمية الجملة وتعريف الشيطان والنار، وتكرار كلمة الشيطان مرة صريحة، وأخرى بضميره الذي يعود عليه في عبارة "خلق من النار"، ثم الوعيد والفزع الشديد من ذكر النار، وما تحمل من قيم التخويف والإنذار والعذاب، وجاءت العبارة الثالثة لتؤكد السابقتين، وهي "إنما تطفأ النار بالماء" لكن التأكيد هنا بأسلوب بلاغي آخر ومتنوع، وهو أسلوب القصر "بإنما"؛ ليحسم أمر الغضب والشيطان، فيسدُ عليه كل منافذ الغواية والتأثير، فأكد جازمًا وقاصرًا كفاية الماء على إخماد النار وتدميرها، فلا تترك لها أثرًا مطلقًا على سبيل اليقين والتحقيق، ثم تؤكده "بإذا" في العبارة الأخيرة وهي: "فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"، فقد أفادت وأكدت اليقين والتحقيق لما تفيده "إذا" من التحقيق لا الشك، وما يفيده أسلوب الشرط والجزاء من الجزم واليقين، بعد إذا، لأن الوضوء مترتب على الغضب بإزالته لا محالة، ترتب الجزاء على الشرط قطعًا بلا تخلف أو تأخير.

روعة التصوير الفني في جمال الإيقاع وتدفق الموسيقى وعنفها: من الروافد الجمالية في بلاغة هذا الحديث الشريف جمال الإيقاع، وتدفق الموسيقى وعنفها مما يتلاءم مع قيمه الخلقية، تجد ذلك في الإيقاع الثقيل

<<  <   >  >>