للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويبحث جوانبها المختلفة، ولا يكتفي بتقليد الآخرين في آرائهم، ولا يكون تابعًا لغيره في فكره ورأيه على إطلاقه، بل يكون له موقف من هذا، يهتدي إليه بعقله بإثبات الدليل، واستشارة الغير والموازة بين الآراء المختلفة حتى ينتهي إلى الرأي الصحيح، الذي يتجرد فيه من التقليد والتبعية المطلقة، لذلك حذر الحديث الشريف من الإمعة، الذي يقلد الناس بدون وعي في إحسانهم وإساءتهم، مستمدًا هذا التحذير من القرآن الكريم، الذي يذم ذلك قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} .

فالمقلد والتابع بلا شخصية ولا رأي، لا يقوم على التصديق والاعتقاد، بل هو كالناعق يهيم بكل صيحة، ويسمع كل ناعق، ويطير وراء كل هيعة.

الاعتداد بالرأي وحرية التفكير: يحث الإسلام في هذا الحديث الشريف على الاستقلال بالرأي والاعتداد بالنفس، ويدعو إلى حرية التفكير السديد، ويرغب في التأمل الصائب والروية والتثبت، بل لا يعتد إلا بالتصديق والاعتقاد الكامل، حتى تتحول الفكرة والآراء إلى عقيدة تقوم على التصديق والاعتقاد، وهذا هو معنى "وطنوا أنفسكم"، فيمعن الإنسان الفكر ويقلب الآراء، ويتثبت من الصحيح والخطأ والدليل الواضح، وباستشارة الآخرين وتفيند آرائهم، فيتتبع ما يحسنه الناس، ويطرح ما يخطئون فيه فلا يتبعهم في مساوئهم وفسادهم وغيهم وضلالهم، وهذا ما يتفق مع منهج القرآن الكريم في الحث على التأمل والنظر، والترغيب في البحث والدراسة في الحياة والكون وقضايا الإنسان،

<<  <   >  >>