للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على قيم أخلاقية سامية، منها صورة أداة العرض والإثارة لأمر هام يحمل قيمًا تعليمية للناس، وذلك في قوله: "ألا أخبركم" عما أوحى الله إليَّ من أمر هؤلاء النفر: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} ، ومنها صورة النفر الثلاثة تدل على أنهم ليسوا ثلاثة رجال فقط، بل هم ثلاثة نفر، والنفر هم جماعة دون العشرة، وهذا يدل على أنهم ثلاث جماعات، تنوعت حسب تصرفاتهم من مجلس العلم؛ فمنهم جماعة أوت، وثانية استحيت، وثالثة أدبرت، والصورة الفنية في قوله: "أما أحدهم فأوى إلى الله فأواه الله" فكلمة "أحدهم" أي أحد الجماعات الثلاثة أوت إلى الله، فبلاغة "أوى" تدل على السرعة والحرص على القرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم، وفي سرعة الإقبال عليه وعلى العلم، دلالة على سرعة الإقبال على الله ومحبته؛ لأن "أوى" تجمع بين معاني الإسراع إلى الجلوس والإقبال والتلقي أكثر من التعبير بغيره، مثل: لجأ وقعد وجلس وغيرها، والصورة الفنية في قوله: "فأواه الله" بمعنى أن الله كان أسرع في الاستجابة في تفضله بالرحمة والرضوان؛ لدلالة فاء التعقيب السريع على ذلك، ثم انظر إلى الأسلوب البديع في المشاكلة والمجانسة بين الفعلين "أوى"، مع اختلاف الفاعل والمعنى، ليثير الانتباه ويوقظ الذهن والوجدان عن طريق التناسق بين اللفظين مع اختلاف المعنى؛ فأوى الأولى بمعنى الجلوس، والثانية بمعنى الرحمة من الله تعالى بالجالس ورضوانه عليه.

التصوير البلاغي في قوله -صلى الله عليه وسلم: "وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه" يدل على قيم أخلاقية سامية، حين عبر عن النفر الثاني بأن اتخذوا موقفًا آخر، فآثروا الحياء وترك المزاحمة حياء من النبي -صلى الله عليه وسلم، وممن حضروا قبلهم، أو حياء من ترك الجلسة العلمية كما فعل النفر الثالث، فجلسوا حيث انتهت بهم حلقة العلم، وفيه دلالة أيضًا على استحباب المزاحمة في

<<  <   >  >>