للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طلب العلم، حثا عليه وترغيبًا فيه، بشرط عدم الضرر والإيذاء، وعدم الفوضى والجلبة، وعدم التعدي على حقوق السابقين بعد أخذ مواقعهم من الجلسة العلمية لقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وما أروع المجانسة في هذه الصورة الفنية بين الفعلين "استحيا" مما يثير الانتباه ويوقظ العقل والوجدان، ليكون أكثر إيمانًا واقتناعًا مع اختلاف المعنى فيهما، فالأول بمعنى انكسار يعتري الإنسان خوفًا من الذم، والثاني وهو "استحيا الله منه" ومعناه ليس كذلك، بل المراد منه لازمه، وهو الرحمة والقبول ورفع العقاب عنه.

التصوير الفني في بلاغة قوله: "وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه"؛ في صور فنية تعبر عن قيم تشريعية، تحذر فيها المسلم من الجهل والإعراض عن العلم، والنفور من الجماعة، وتفرقها؛ لترغيبه في العلم والإقبال عليه، والوحدة والترابط والحرص على الطاعة أمرًا ونهيًا، وذلك في تصويره الفني الرائع "فأعرض فأعرض الله عنه" بمعنى فأدبر عن المجلس وترك العلم والرحمة والرضوان، وآثر الجهل والسخط والعقاب، فاستحق ذلك، لأنه منافق أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك عن الله تعالى، لحديث أنس -رضي الله عنه: "فاستغنى فاستغنى الله عنه"، وفي ذلك جواز الإخبار عن أهل المعاصي زجرًا لغيرهم، وليس هذا من باب الغيبة المحرمة، ولا يخفى ما في هذه الصورة الفنية البديعة من التجانس بين الفعلين، فأعرض الأولى بمعنى أدبر وولى وترك المجلس، وأعرض الثانية بمعنى مختلف تمامًا، وهو الغضب والسخط والعقاب الشديد من الله تعالى، فالمعاني مختلفة والألفاظ متجانسة في الحروف والحركات؛ لتكون الصورة الفية أجمل إيقاعًا وأقوى تأثيرًا واقتناعًا، إنها بلاغة من اختص بجوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>