على الإيجاز لألفاظ لا تتجاوز المشبه والمشبه به، لكنها ثريةٌ بالمعاني والمشاعر والقيم الكثيرة، التي تختلف في تفسيرها من شخص إلى آخر، ومن وقت لآخر.
٣- أن المثل يحول الفكرة إلى حكمة، يتمثل بها الناس في كل الأحوال والمقامات المختلفة، فَيُضْربُ به على حاله بلا تغيير مهما اختلفت مضاربُه، فأصبح هذا المثل في الحديث الشريف حكمة، يتمثل بها الحكماء في أقوالهم، قال تعالى:{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .
البلاغة في تصوير المؤمن بالخامة من الزرع: روعة التصوير الأدبي في بلاغة الحديث الشريف، تظهر حين صور النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمن في صورة الخامة من الزرع، أي الطريُّ اللينُ الذي لا يتقصف، بل تستجيب للريح وتتماثل معه ذهابًا وإيابًا، فإذا اشتدت عليها كَفَأتها حتى تمر العاصفة، ثم تعود إلى ما كانت عليها من الاعتدال، وانظر إلى بلاغة لفظ الريح لا الرياح، لأن الريح لا تكون إلا في التمحيص والفتنة والعذاب، قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} بينما الرياح تكون طيبات مبشرات بالخير، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
والبراعة في هذا التشبيه التمثيلي البليغ، حين شُبه بالخامة رِضا المؤمن بقضاء الله وقدره، ليتقبله بصدر رحب وقلب مفتوح، فلا يكفرُ ولا يسخطُ ولا يغضبُ ولا يتمرد، بل يتلقى ذلك صابرًا محتسبًا راضيًا، فيزداد إيمانًا على إيمانه، وتسمو منزلته عند ربه، قال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} مثله في هذا مثل الزرع الطري