الخمس لا يتعارض مع ما ذكر في أحاديث أخرى، لأن الأحاديث تكمل بعضها بعضًا، ولكل موقف ما يتلائم معه، والبلاغة تقتضي عدم جمعها في حديث واحد، حتى لا يقع النسيان بين العدد الكثير. ثالثًا: أن هذه الخمسة غير مقصودة ومحددة بذاتها، فهي لا تنفي ما ورد في أحاديث أخرى، ولا تتعارض معها، فقد وردت عشرة، وقيل غير ذلك إلى ستين، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} فكلما أوحى إليه بشيء ذكره في حديث وهكذا، وفي حديث أبي هريرة زاد خصلتين:"وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون"، وفي حديث آخر "جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأعطيت هذه الآيات من سورة البقرة عن كنز تحت العرش"، وعند أحمد "أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم"، وعند البزاز:"غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فما دونه، وكان شيطاني كافرًا فأعانني الله تعالى عليه فأسلم" وغيرها.
بلاغة التصوير الأدبي في قوله:"وجعلت لي الأرض مسجدًا طهورًا" تعود إلى صور بلاغية متنوعة، منها: إيثار بناء الأفعال للمجهول لا للمعلوم في كل الأفعال، مثل "جُعلَت"، أُعطِيتُ، لم يُعطَهن -نصرت - حلت- ولم تُحل، ويُبعَث وبُعثت ... إلخ" فلم يأت لفظ الجلالة "الله" صريحًا، بل كان مضمرًا، وقام مقامه نائب الفاعل، فقال: "وجعلت لي الأرض" ولم يقل: "وجعل الله لي الأرض"؛ لأن المقام هنا مقام الفخر والعُجب بهذه الخصوصيات، التي اختص بها دون غيره، وحياء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأدبه وخلقه يمنعه، من أن يقع منه الفخر؛ مع ذكر لفظ الجلالة صريحًا وفي كل مرة، لذلك أكد نفي الفخر عنه صراحة في حديث آخر: "لا أقولهن فخرًا" لابن عباس رضي الله عنهما، ومنها: أسلوب القصر