للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعتراضهم بالنص الصريح مدعومًا بالدليل الواضح حين قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من بني مسجدًا ... " إلخ الحديث، وهذا يتفق مع قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ، إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} أجمع العلماء على أن عمارة المساجد تكون بالبناء والتجديد والتوسعة والزيادة والتجميل والتعليم والذكر، بدليل الواو قبل الصلاة في الآية؛ فإنها تقتضي المغايرة أي أن العمارة غير الصلاة، التي هي سبب تعمير بيوت الله تعالى.

وبلاغة التعبير بـ "مَنْ" تشمل كلَّ قادرٍ على المشاركة في البناء رجلًا أو امرأة صغيرًا أو كبيرًا، بنفسه وجهده أو بماله وأدواته، أو بقوله وحث الآخرين، كما يقتضي بناء المسجد كله أو بعضه، مهما قل حجمه، كما جاء في رواية ابن خزيمة عن جابر: "ولو كمفحص قطاة" بأن كانت الزيادة بمقدار مفحصها التي تضع بيضها فيه، وهذا ما يفيده التنكير في قوله: "مسجدًا" على أي هيئة من الهيئات السابقة.

التصوير الأدبي في بلاغة الأسلوب في قوله: "يبتغي به وجه الله"، فصيغة الفعل "يبتغي" لها دلالتان، الأولى دلالة الوضع اللغوي، ومعناها الحب النابع من القلب لا من اللسان ولا من الجوارح، والثانية: دلالة المضارعة في الفعل على استمرار الحب وتجدده مع الأيام والعمر، وهذا ما يدل عليه المضارع، وفي تعلق الفعل -بمعنى الحب القلبي- إلى متعلقاته. "يبتغي به وجه الله" قمة البلاغة النبوية، في الدلالة على الإخلاص والصدق، لأنه الحبُّ القلبي الخالص لا لحاجة مادية ولا لغرض دنيوي أو

<<  <   >  >>