ثم بلاغة التصوير الفني في قوله:"على وقتها" للدلالة على معان سامية وقيم أخلاقية منها: ما تفيده من العلو والرفعة بعد الدخول في الصلاة، يرتقي فيها المصلي إلى الحضرة الربانية، ليخاطب الله عز وجل مباشرة، وأسمى ما يتمناه أن يكون كذلك، ومنها: طاعة الله عز وجل بأدائه الفرائض وهو أحب الأعمال إلى الله سبحانه، كما في الحديث القدسي الشريف:"ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ... " إلخ، ومنها خلق الالتزام والنظام والنظافة والطهارة والوحدة والمتابعة والتقدير، وغيرها من القيم الإسلامية، ومنها أنه قدم الصلاة على ما بعدها، لأنها عماد الدين، فعبادة الله تعالى ومحبته مقدمة على طاعة الوالدين كما في قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} .
التصوير الأدبي: في بلاغة التعبير عن أحب الأعمال في الإجابة على السؤال الثاني بقوله: "بر الوالدين"؛ فالقيمُ الأخلاقية هنا متنوعة، تشمل الطاعة في غير معصية، قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} ، وهذا يقتضي الإيمان الكامل، معتمدًا على مقوماته التشريعية، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قال تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} ، وكذلك يقتضي البر بذل المال عن محبة وإخلاص لا رياء لا لغرض دنيوي، بل لذوي القربى وأولاهم الوالدين وللمستحقين، وبذل النفس لتقويمها على الطاعة والعبادة والصبر كما في بقية آية البر السابقة في قوله تعالى:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .