الذي يدل على الدعاء والمناجاة، لا على وجوب تنفيذ المطلوب، فالله وحده هو الآمر الناهي في قوله:"آت محمدًا الوسيلة وابعثه مقامًا محمودًا"، وما أبلغ التعبير بالوسيلة أي المنزلة العالية في الجنة التي لا تنبغي إلا له، والتعبير بالفضيلة أي المرتبة الزائدة على المخلوقين، ثم ما أروع التعبير بالتنكير في قوله:"مقامًا محمودًا" للدلالة على التعظيم بما يتلاءم مع منزلة الرسول العظيمة عند الله عز وجل، فمقامه يحمده الأولون والآخرون، وأكد هذا التعظيم فجاء الوصف بجملة اسمية، وهي "الذي وعدته" كما ورد في القرآن الكريم: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودا} ، وهو مقام الشفاعة العظمى.
التصوير الأدبي في بلاغة أسلوب الشرط والجزاء في قوله:"من قال ... حلت له شفاعتي يوم القيامة" في صور فنية بليغة منها: ذلك التناسق الموسيقي في الإيقاع المتوازن بين جملة الشرط وهو "من قال حين يسمع النداء" إلخ، وبين جملة الجواب والجزاء في قوله:"حلت له شفاعتي"، فيحرك به المشاعر، ويهز الوجدان العامر بالإيمان الصادق، وبلاغة التعبير بقوله:"حلت له" بمعنى وجبت له الشفاعة، لأن التعبير بـ "حلت" أبلغ من "وجبت" فلا تجب الشفاعة للعباد على الله تعالى ولا على رسوله -صلى الله عليه وسلم، بل هي تفضل وزيادة لمن رضي الله عنهم، فيشفع لهم بعد أن يأذن الله له:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وإضافة الشفاعة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تدل على أنها خاصة به من بين عباد الله وأنبيائه؛ فلا تكون لغيره كما ورد في الأحاديث الصحيحة أن الخلق يطلبون الشفاعة من الرسل السابقين؛ فلا يملكون لأنفسهم شيئًا، ويدفعونهم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وبلاغة التقييد بيوم القيامة للدلالة على أن الشفاعة خاصة بها ولا تكون لأحد في الدنيا.