لأن التلقي بالأذن لا يمكن حجبه، وتقييد التجوز في الصلاة بالبكاء الصادر من صبي لا من كبير، لأن ذلك لا يقتضي التجوز الطارئ على الصلاة، لكن الشرع يأمر بالتخفيف فيها ابتداء لرعاية المريض والكبير وذا الحاجة، كما ورد في حديث شريف آخر، والصورة الثانية؛ في الفاء الثانية فهي تصور السرعة والملاحقة، لا التسويف ولا التأخير، حتى لا تتأذى أمه أو يقع التشويش في صلاتها، لأن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب السريع، على العكس من حرف العطف "ثم"، والصورة الثالثة، "أتجوز في صلاتي" من الاجتياز السريع والتخفيف، فيقال اجتاز الطريق أي قطعه بسرعة. "والصورة الرابعة" في بلاغة التعبير بحرف الجر "في" لتدل على التخفيف في أفعالها وأركانها وسننها الداخلة فيها، لا بتركها والانصراف عنها، كما يدل حرف "عن" على ذلك فيما لو قيل: "عن الصلاة"، فهي بمعنى المجاوزة أي يتجاوزها إلى فعل آخر غير الصلاة، مثل قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ، فهم يكذبون بالدين وهذا من لطف الله ورحمته بالمصلي، ولو كان التعبير هنا بحرف "في" لكان كل مصل مكذبًا بالدين، لأن أي صلاة لا تخلو من مداخلات ووساوس غريبة عن طبيعتها كما ورد في حديث شريف، حينما تسابق أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على ذلك، فلم يوفقا في نيل الجائزة منه -صلى الله عليه وسلم- بعد اعتراضهما على صحابي سأله عن ذلك، فأمره بمقاومة المداخلات كلما أمكن ذلك.
حلاوة التصوير الأدبي في قوله -صلى الله عليه وسلم:"كراهية أن أشق على أمه" يشعر بها القلب، وتثلج الصدر وتشرحه، وذلك من خلال حسن التعليل في كلمة "كراهية" المنصوبة على المفعولية لأجله، أي لأجل الكراهية التي تأباها النفس، وتنفر منها الأذواق السليمة والفطرة المستقيمة، وتتعارض مع رقة القلوب، وحنان الأمهات والآباء على أولادهن الصغار الضعاف،