للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينميها الصيام في النفس، يستطيع أن يتلقى النوازل والشدائد بصدر رحب، وأن يواصل السعي والعمل، وأن يطيع الله تعالى بالصبر والمرابطة والمصابرة، بإرادة قوية وعزيمة صادقة لكل أنشطة الحياة، وتأكدت هذه المعاني بصورة بلاغية أخرى، نبعت من أسلوب القصر والحصر، فقد قصر الحديث ثواب الجنة على الصبر "والصبر ثوابه الجنة" عن طريق تعريف المبتدأ والخبر، فالمبتدأ وهو "الصبر" معرف "بأل" وجملة الخبر وهي "ثوابه الجنة" جاءت معرفة في المبتدأ الثاني وخبره أيضًا، فالمبتدأ بالإضافة "ثوابه"، وخبره معرف "بأل"، كل هذه المعرفات تقصر الخبر على المبتدأ، وهو قصر ثواب الجنة على الصبر، وتأكيده فلا يبرح عنه، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، وقال أيضًا: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

التصوير البلاغي في روعة الأسلوب النبوي الشريف لقوله: "وهو شهر المواساة فمن فطر صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار"، فقد عبر بصيغة المشاركة والمفاعلة في صورة "المواساة"، للدلالة على أن الصيام يغرس في النفس شيمة لازمة، يتفاعل بها المسلم مع المحتاجين والفقراء طوال العام، وفي عمره كله، لأن الله أجرى حقوقهم على أيديهم، فلا يصح أن يمنع حقهم في كل حين، بل يواصل الإنفاق عليهم مما يعين على نماء المال وزيادته، ثم دلالة المواساة الفعالة على معاني العطف والتراحم والتعاون والتكافل والتآخي والحب والمودة والعدل والمساواة والتواصل وغيرها، لذلك كان الأجر عظيمًا وشاملًا، فمن فطر صائمًا، وأعطى فقيرًا كفر الله عنه سيئاته كلها، بل أعتق رقبته من النار وجعله من أصحاب الجنة، وما أعظم هذا الثواب؟ ومن روعة التصوير الأدبي أن

<<  <   >  >>