جزء يسير من خلوف فم الصائم، لدلالة "من" على البعضية ثم إتيان التشبيه الضمني في أسلوب غير صريح، مما يحتاج إلى تأمل وطول نظر، فإذا ما جاهدت النفس في الوصول إلى المعاني، كانت كالدليل على مفهومها وتأكيدًا لها، فتستقر في النفس وتكون أشد علوقًا بها، فلا تذهب عنها إلا بعد أمد بعيد، كذلك في بقية الصور البلاغية في هذا الحديث الشريف.
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
١- اشتمل الحديث على قيم خلقية وتشريعية كثيرة ظهرت من خلال التصوير الأدبي والبلاغي، ومنها أيضًا:
٢- الصيام يقي الصائم والمجتمع حوله من الشهوات واللهو والمعاصي والأوزار، ومن العلل والأمراض ومن هوى النفس وعبث الشياطين في الدنيا، أما في الآخرة فيقي الصائم من هول الموقف وشدة المحشر، فلا يصيبه الظمأ، كما يقيه من لفح الشمس ولهيب جهنم وعذابها، فيدخل من باب الريان، لا يدخل منه أحد إلا الصائمون.
٣- الصيام يصون النفس من الرفث والفسوق والجهالة والملاعنة والمشاتمة فيحفظ لسانه وقلبه من كل ذلك؛ ليظل عفيفًا ظاهرًا مبرأ من الدنس والفحشاء والمنكر.
٤- رائحة فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك في الدنيا والآخرة مما يدل على مرضاته عز وجل، ورضا الله سبحانه غاية قلما تدرك؛ فمن رضي عنه لا يسخط عليه أبدًا ولا يغضب.
٥- الصيام سر بين العبد وربه؛ لأنه يغرس في النفس أسمى أنواع الأمانات المجردة من الدوافع والرياء والتظاهر والتفاعل مع ثناء الناس.
٦- السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء، هذا بالنسبة لما تسجله الكتبة من الملائكة عن اليمين وعن الشمال عزين، أما الصيام فثوابه يختص الله عز وجل بجزائه وثوابه وهو أكرم الأكرمين؛ فلا يقتصر على العشرة، بل يضاعفه الله أضعافًا مضاعفة، لأنه بين العبد وربه، وهو شهر الصبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .
٧- بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي في الحديث الشريف