وبعض الناس يتشاغل بما لا ينفعه، همه أن ينتهي هذا اليوم ثم الذي يليه، ثم الذي يليه ليعود إلى أهله ويزاول أعماله، كأن هذا النسك العظيم صار عبئاً على الناس، والمسألة مسألة أربعة أيام، كيف تستثقل هذه الأيام الأربعة، وقد كان المسلمون على مر العصور يقضون الأشهر، أشهر متتابعة، شهر أو شهرين في الطريق قادماً على الحج، ثم يجلس في مكة والمشاعر مدة طويلة ليست بيوم أو يومين أو ثلاثة، يأتون قبل الحج بمدة طويلة؛ ليحتاطوا لحجهم، ثم بعد ذلك إذا قفلوا أمضوا الوقت الطويل في الرجوع والله -جل وعلا- يقول:{لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(٧) سورة النحل]، والآن قد يصوم الشخص في بلده يوم عرفة وبين أهله ويفطر معهم ثم يحج ويرجع بعد ثلاثة أيام، هذا من تيسير الله -جل وعلا- وهذه نعمة يجب شكرها، فعلى الحاج أن يستحضر وعلى أصحاب الحملات -وهذا شيء مشاهد بالنسبة للحملات- من بعد صلاة العصر مباشرة الذي هو وقت اللزوم، وقت تأكد واستحباب الدعاء، ووقت نهاية الوقت الذي ينبغي أن يحرص عليه أشد الحرص قبل فواته، أصحاب الحملات كثير منهم بعد صلاة العصر يتأهبون للانصراف، نعم لا ينصرفون إلا بعد الغروب، لكنهم يتأهبون للانصراف، وبعد الفتاوى التي سمعت في الأعوام المتأخرة أنه يجوز الانصراف قبل غروب الشمس، انظر ماذا سيحدث يمكن يمرون مرور بعد صلاة الظهر يجمعون ويصلون الظهر ويمرون مروراً، ووقوفهم مجزئ عند عامة أهل العلم، وإن أوجب عليهم جمع من أهل العلم الدم إذا انصرفوا قبل الغروب، فإذا انتشرت هذه الفتاوى وشاعت لن يكون للوقوف أي أثر في نفس الحاج، فعلى أهل الحملات أن يرفقوا بمن معهم، وهم مؤتمنون على هذا، إنما دفعت لهم الأموال ليتفرغ الحاج لحجه ويؤدي حجه على الوجه المشروع، فعلى الحاج إذا جمع بين الصلاتين جمع تقديم وتوفر له من الوقت ما يكفي للذكر والدعاء والتلاوة والتضرع والانطراح والانكسار بين يدي الله -عز وجل- فهذا أمر لا بد منه وهذا وقته، لكن مع الأسف أن الأعمال قيدت أربابها وأصحابها، تجده طول العام في القيل والقال، فمثل هذا لا يوفق لاغتنام مثل هذه الأوقات.