الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله -جل وعلا- خلق الجن والإنس لهدف عظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- فقال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(٥٦) سورة الذاريات].
ومن نعمة الله -جل وعلا- على المسلمين أن نوع لهم العبادات، فلم يجعلها نوعاً واحداً بل أنواع، افترض عليهم الفرائض، وسن لهم السنن؛ ليرتب لهم عليها الأجور، وجعل هذه الشرائع متنوعة، فمنها البدنية، ومنها المالية، ومنها المشترك بين المال والبدن، ومنها القاصر على النفس، ومنها المتعدي إلى الغير، فلو كانت نوعاً واحداً، بأن كانت بدنية فقط، كثير من المسلمين مستعد أن يدفع الأموال الطائلة ولا يكلف نفسه وبدنه شيئاً، فيشق عليه أن يؤدي ركعتين ويسهل عليه أن يتصدق بألفين، ومن الناس من هو بعكس ذلك وضده، فيشق عليه إخراج المال، ويسهل عليه ما يتعلق بالبدن، فهو مستعد أن يصلي الليل كله ويصوم النهار، ولكن يصعب عليه ويشق عليه أن يتصدق بالشيء اليسير.
الفرائض لا بد من الإتيان بها، سواءً وافقت هوى النفس أو خالفت، لكن الكلام فيما عدا ذلك من النوافل.
قد يفتح للإنسان باب يوصله إلى الجنة متعلق بالبدن، فليلزم هذا الباب، وقد يفتح للإنسان بابٌ يوصله إلى الجنة وهو متعلق بالمال، وقد أوتي المال فليلزم هذا الباب ويكثر من الإنفاق في سبيل الله.
وأبواب الجنة الثمانية مخصص لكل عبادة منها باب، وقد يدخل الإنسان من جميع الأبواب كأبي بكر -رضي الله عنه- ومثله من يجود بعبادة ربه بجميع أنواعها.
من العبادات ما يطلب فيه السر، وهذا هو الأصل؛ لأنه الأقرب إلى الإخلاص، سواءً كان في ذلك العبادات البدنية أو المالية، وجاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:((ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه))، ومنها ما يسن إظهاره وإشهاره كالشعائر، كالصلوات الخمس، والجمعة والأعياد، هذه شعائر، وشعائر الحج أيضاً.