الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله -جل وعلا- قد خلق الخلق من الجن والإنس لهدف عظيم، وغاية عظمى، هي تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(٥٦) سورة الذاريات] من مظاهر تحقيق العبودية أداء ما أوجب الله على المكلفين، وهذا أحب ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، ثم يكمل ما نقص من هذا الواجب بالتطوعات والنوافل التابعة لهذه الواجبات على تنوع هذه العبادات، فالصلاة لها ما يكمل نقصها، والزكاة لها ما يسد خللها، والصوم له ما يرفُ خروقه، والحج كذلك.
من هذه النوافل بل من أعظمها وأشقها على النفوس قيام الليل، الذي أمر الله به نبيه -عليه الصلاة والسلام- {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [(١ - ٢) سورة المزمل] حتى قال جمع من أهل العلم: أن قيام الليل واجب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة لأمته فهو من أعظم القربات وأفضلها؛ لكنه ليس بواجب، أوجب بعض أهل العلم الوتر، وجاء الأمر به، امتثل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أمر به، فقام حتى تورمت قدماه، امتثل وطبق ما أمر به تطبيقاً دقيقاً -قم الليل- حتى قرأ في ركعة ما يزيد على خمسة أجزاء، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران.