الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أخرج البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسألتهم، أو مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)).
راوي الحديث الصحابي الجليل أبو هريرة حافظ الأمة، من حفظ الله بسببه جل السنة، اختلف في اسمه واسم أبيه، كما هو الشأن فيمن اشتهر بشيء بحيث ينسى غيره، فكل من اشتهر بالكنية يخفى اسمه على الناس، ومن هؤلاء أبو هريرة، اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، لكن الأكثر أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر، صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أربع سنوات، تأخر إسلامه، وحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يحفظه غيره، بسبب الدعوة النبوية له حيث أمره ببسط رداءه فبسطه فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فما نسي شيئاً بعد ذلك، ما نسي شيء -رضي الله عنه وأرضاه-.
وأيضاً من الأسباب ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- سفراً وحضراً، لم يفرط بلحظة واحدة، لم يفرط بيوم واحد في صحبته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا الملازمة تورث مثل هذا، أما الشخص الذي يجعل العلم وطلب العلم على تيسر الفراغ فمثل هذا لا يدرك، وقد أخبر -رضي الله عنه وأرضاه- عن سبب حفظه لما حفظه من السنة أن أصحابه من المهاجرين والأنصار، المهاجرون كان يشغلهم الصفق في الأسواق، والأنصار كان يشغلهم العمل بمزارعهم، أما هو فقد تفرغ لملازمة النبي -عليه الصلاة والسلام- فحفظ ما لم يحفظه غيره.