الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن كتاب الله -جل وعلا- هو عمدة هذه الأمة ومعولها، وهو مصدرها الأول، وكلام ربها، من قرأه فكأنما يخاطب الرحمن، وقد جاء الحث على قراءته وتدبره وترتيله ومدارسته، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأه على أصحابه على الوجه المأمور به، وكان يدارسه جبريل في كل ليلة من ليالي رمضان، وفي السنة التي قبض فيها -عليه الصلاة والسلام- عرضه عليه مرتين، هذا القرآن الذي تكفل الله بحفظه ورتب الأجور العظيمة على قراءته، والعناية به، هذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه من وجوه عديدة:
تكفل الله بحفظ لفظه، وتكفل الله برسمه، وتكفل الله بأحكامه، وتكفل الله ببيانه على لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم على ألسنة من ورثه -عليه الصلاة والسلام- من العلم النافع.
من مظاهر حفظ الله -جل وعلا- لهذا الكتاب: أن تجد العناية الفائقة لهذا الكتاب العظيم مما لا تجد نظيره في الكتب الأخرى السماوية وغير السماوية.
ولو استعرضنا الفهارس وتراجم أهل العلم لوجدنا أن الكتابات حول هذا الكتاب لا يحصرها ديوان، ولا يمكن الإحاطة به، ويكفينا أن نعرف أن ما كتب على تفسير البيضاوي من الحواشي يزيد على المائة، فقط، فكيف بما كتبه سلف هذه الأمة من التفسير الأثري الذي يذكر في تراجم أهل العلم مما لم يصل إلينا أكثره من التفاسير المطولة التي تشرح كتاب الله بمئات الألوف من الأحاديث والآثار، ثم بعد ذلك التفاسير المتنوعة المختلفة المشارب، فمن التفسير بالمأثور، إلى التفسير بالمعقول، إلى التفسير اللفظي والتحليل، إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب الأثري إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب النحوي، إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب البلاغي، إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب الفقهي والكلامي، وغير ذلك، أنواع وفنون كتبت ودونت في التفاسير الكبار والمتوسطة والصغار، خدمة لهذا الكتاب العظيم.