ولو أكل ظاناً أن الشمس قد غربت، أو ينظر في الأفق ما يرى الشمس لوجود غيم أو ما أشبه ذلك، أو كسوف مطبق بحيث لا ترى الشمس، ثم طلعت عليه الشمس فإن مثل هذا عليه أن يقضي، لحديث أسماء بنت أبي بكر في الصحيح، أنهم أفطروا، ثم طلعت الشمس، وحينئذ أمروا بالقضاء، وهل بد من القضاء؟ لأن الأصل بقاء النهار في مثل هذه الصورة، والتسامح في مثل هذا بعض الناس ساعته يكون فيها زيادة في الدقائق، مثلاً عشر دقائق أو خمس دقائق، ثم يفطر باعتبار أن هذه الساعة مطابقة للتقويم؛ لأن بعض الناس عنده حرص -وهذا في الغالب- على الدوام، الوظيفة، تجد الساعة يقدمها ربع ساعة، بحيث إذا رآها عجل إلى دوامه ظن أنه متأخر، ثم يستصحب هذا في الإفطار، نقول: يا أخي لو تحرص على دينك مثل حرصك على دنياك، حصلت على خير عظيم، مع أنه هو الأصل، لأنك إنما خلقت لتحقيق العبودية لله -جل وعلا- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(٥٦) سورة الذاريات] وأما بالنسبة لأمور الدنيا يعني آخر ما يفكر به {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(٧٧) سورة القصص] والعكس الآن صار عند كثير من المسلمين، الأصل عنده هذه الدنيا وحطامها، ثم بعد ذلك احتاج إلى أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة، والله المستعان.
فإذا أكل أو شرب –يعني أفطر قبل غروب الشمس– فإنه يلزمه حينئذ القضاء، والدليل على ذلك حديث أسماء المخرج في الصحيح، وأيضاً يعضده الأصل، الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزال بالشك، وأهل العلم يلحقون بالشك غلبة الظن، في هذا الباب، بمعنى أنه أكل شاكاً في غروب الشمس، أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، يجب عليه القضاء؛ لأن اليقين السابق -وهو بقاء النهار- لا يزال بمجرد الشك، ولو وصل إلى درجة غلبة الظن، لأنه تبين بطلوع الشمس أنه ظن كاذب، ظن غير صادق غير صحيح، فيلزمه حينئذ القضاء.